علي محمدمنحت السلطات اللبنانية نحو 50 ألف لاجئ عراقي مهلة 3 أشهر لـ«تسوية أوضاعهم» عبر تأمين كفيل وإقامة. وأمام هذه الشروط التي يراها أكثرهم تعجيزية، وفي ظل الأوضاع المزرية التي يعانونها، يبقى المتاح أمامهم «توطينهم» في بلدان أخرىسافر رامي فجر أمس إلى الولايات المتحدة الأميركية. إنه عراقي عمره 16 عاماً. قُتِل والداه وشقيقه الوحيد في يوم واحد في العراق، فهرب إلى سوريا، حاله كحال مئات آلاف العراقيين، إلى أن وصل إلى لبنان. قابلت «الأخبار» رامي في مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، حيث روى قصته.
إثر الصراعات الطائفية في العراق، قرر والد رامي (وهو رجل دين) السفر إلى الإمارات العربية المتحدة، وبدأت العائلة توضّب امتعتها وإنهاء كل أعمالها. وصباح 28/10/2006 توجه الوالدان إلى منطقة الشعب في مدينة الصدر لتسحب الأم مالاً مودعاً في أحد المصارف، وعلى الطريق استوقفتهما مجموعة مسلحين أشاروا إليهما بالترجل من السيارة، قتلوهما وتركوا الجثتين على الطريق. بعد الاغتيال، اتصل الخاطفون بحسام، الشقيق الأكبر لرامي، وأخبروه أن والديه تعرضا لحادث سير. توجه حسام مع صديقه مهنّد إلى المكان، وقبل الوصول إلى منطقة «جميلة» استوقفه المسلحون وقتلوه لأنه «كافر وإرهابي»، بحسب ما نقل مهند لرامي لاحقاً.
من العراق إلى سوريا فلبنان
وصل مهند إلى الحي الذي يقطنه رامي وأخبر الجيران بالحادثة. «دخل عليّ الجيران، واحد يعانقني، وآخر يبكي، وثالث يقبلني في رأسي، ولم أعرف لماذا». قال رامي مضيفاً: «إلى أن اتصلت الشرطة بي بعدما نقلت الجثث إلى المستشفى، وأعطوني سلسلة ذهبية وخاتماً كانت أمي تحملهما يوم الحادث، وخاتماً فضياً كان في يد والدي». سكن رامي مع الجيران إلى أن تلقى تهديدات بالقتل، فقرر الهرب. وفي نيسان 2007 «بعت مجوهرات أمي ودفعت لشخص 400 دولار لقاء تهريبي إلى سوريا» قال رامي الذي وصل فجراً إلى الشام، حيث تعرف إلى شاب يدعى حسين. شرح رامي كيف انتقل إلى لبنان: «لم أدر ماذا أفعل وكان حسين قد أخبرني أنه مسافر إلى لبنان، فرجوته أن يأخذني معه. وافق حسين، فدفعت 150 دولاراً لمهرب يدعى أسامة. انطلقنا من الشام عند السابعة والنصف مساءً، فوصل إلى المشرفية بعد نحو ساعتين». وبسؤاله عن الطريق الذي عبروه أجاب رامي بأنهم لم يمروا عبر الممرات الجبلية كما كان يتوقع، بل عبر الحدود الشرعية: «مررنا عبر المصنع، وهناك نزل أسامة إلى الأمن العام ثم عاد وأكملنا الطريق». وصل رامي إلى المشرفية وذهب مع حسين إلى شقيق الأخير الذي يسكن في أحد أحياء الضاحية الجنوبية وسكن معهما فترة قصيرة ثم بدأ يبحث عن عمل.
أنت سني أو شيعي؟
البحث عن العمل لم يكن سهلاً على حد قول رامي، بل كان مزعجاً وأحياناً خطيراً: «كنت عندما أدخل إلى محل وأطلب العمل يسألونني: شيعي أو سني؟». قال رامي وأشار إلى أنه دائماً ما كان يُطرد، وأحيانا يُهدَّد عندما يعرف الناس مذهبه، إلى أن قرر أن يكذب ويدعي في المنطقة التي يبحث فيها عن عمل أنه من الطائفة ذاتها التي ينتمي إليها أبناء هذه المنطقة. «فوراً لقيت عملاً عندما قلت ذلك، وعملت لفترة ثلاثة أشهر في أحد ملاعب كرة القدم الصغيرة. كان الدوام من التاسعة صباحاً حتى منتصف الليل، والأجر 100 دولار شهرياً. كنت أنام في غرفة أعطاني إياها صاحب الملعب. ليست غرفة، لقد أزال الجدار الذي يتوسط حمامين، ووضع لي لوحاً من الخشب على كرسي الحمام لأنام عليه» قال رامي.
في هذه الأثناء زار مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أرسلت بدورها مندوبتين لتفقد وضعه المعيشي، فأخبرتاه بضرورة الانتقال من غرفته الحالية (الحمام). توجه إلى مجلس الكنائس في الشرق الأوسط فتوافرت له شقة يسكنها عراقيان اثنان في الضاحية الجنوبية، وكان يدفع نصيبه من الأجر مئة ألف شهرياً ويبقى له من المعاش 50 ألفاً يجب أن تكفيه لشهر كامل. يقول رامي إن وزنه انخفض نحو 20 كيلوغراماً في هذه الفترة، وكان يقتات على الشوكولا والخبز. تعرض رامي لاحقاً لتهديدات في مكان سكنه، فاضطر للهرب بعدما ضربه مجهولون. في هذا اليوم التقى بعناصر من قوى الأمن الداخلي وأخبرهم قصته، فأخذوه معهم إلى الطيونة وعرضوا عليه طعاماً ومالاً «ولكنني رفضت عرضهم لأن نفسي عزّت علي».
عيد في الشارع
في الطيونة، لم يدر إلى أين يذهب: «كانت ليلة العيد. نمت في الجامع، وبقيت أنام على الرصيف لثلاثة أيام، حتى وجدني شخص سوري الجنسية اسمه أبو مصطفى وآواني لأسبوع». في هذا الوقت كانت مفوضية اللاجئين قد أحالت ملفه على «إعادة التوطين»، وقُبِل في أميركا بعدما وفرت له السفارة عائلة للعيش لديها مكونة من أم إندونيسية وأب عراقي يعيشان في شمال ولاية داكوتا. وتم الاتصال برامي وأجرى كل المقابلات بسرعة، لأن حالته كانت حالة طارئة، كما شرحت المسؤولة الإعلامية في المفوضية لور شدراوي لـ«الأخبار». كان رامي يبكي كلما ذكر ما مر به، ويجيب عند سؤاله عن سبب اغتيال والده «لانه حرّم دم المسلم على أخيه المسلم»، ويخجل عندما يُسأل عن مسؤولية أميركا عن الحرب. فمنذ فجر أمس أصبح رامي في طريقه ليصبح مواطناً أميركياً.