صور ـ آمال خليلانطلاقاً من التمييز الممارس ضد المعوقين وتكاثر أعدادهم بعد عدوان تموز وفقاً لإحصائيات الحكومة اللبنانية (4 آلاف جريح بينهم 15 في المئة استجدت لديهم إعاقات دائمة، بالإضافة إلى النسب السابقة جنوباً: 16 في المئة من سكان الجنوب و8،6 في المئة في النبطية)، وقبل عام واحد في 18 نيسان، أطلق اتحاد المقعدين اللبنانيين حملة «عمّر للكل وما تعيق قدراتي»، وهي تسعى إلى «إيجاد بيئة دامجة وخالية من العوائق الهندسية، ويمكن استعمالها من الجميع، وتعمل على توعية المعنيين على أهمية التجهيز الهندسي وتدريب القطاعات المعنية»، وخصوصاً خلال عملية إعادة الإعمار الجارية في لبنان ما بعد عدوان تموز، وتحديداً في الضاحية الجنوبية والجنوب. وللغاية، جرى التواصل مع الجهات العامة والأهلية المشاركة في إعادة الإعمار، كمجلس الإنماء والإعمار، وجهاد البناء، ومشروع وعد، والمشروع القطري، والمدنيين أصحاب البيوت المهدمة والمتضررة ... ومع الأخذ بالاعتبار أنها ليست عملية إعادة الإعمار الأولى في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، تبين للاتحاد، بحسب رئيسته سيلفانا اللقيس، أنه «لم يُعمل بالمعايير والمواصفات الهندسية والفنية الخاصة بذوي الاحتياجات الإضافية في جميع المرافق والمباني العامة والخاصة التي أعيد بناؤها أو ترميمها، فيما لم تستوف شروط الحد الأدنى المباني التي أنجزت بعض المواصفات.
تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد قد أعد إحصاءً ميدانياً يرصد «الانتهاكات الحاصلة ضد ذوي الاحتياجات الخاصة» خلال إعادة الإعمار، كشف أن الأماكن العامة الـ68 المتضررة كلياً أو جزئياً خلال العدوان، والمستخدمة دينياً وتربوياً وصحياً واجتماعياً وثقافياً وإدارياً، بينها 22 لا تشتمل على أي من المواصفات الهندسية الخاصة، أي الأرصفة ومواقف السيارات والمداخل والممرات والمصاعد والأثاث الداخلي والمراحيض، فيما ليس بينها واحدة تشتمل على أكثر من خمس مواصفات منها، علماً بأن 24 من المباني حكومية وتابعة لإدارة عامة (15 مبنى لوزارة التربية و5 مبان لوزارة الشؤون الاجتماعية و4 لوزارة الداخلية والبلديات).
وانطلاقاً من النتائج، تؤكد اللقيس على منافع البيئة الدامجة لتدني الكلفة الإضافية لتطبيق تلك المعايير عند ارتفاع قيمة الأعمال المقدرة للبناء بكامله، مقارنة بالاستثمارات الضخمة، كما أن أسعار قطع الأثاث والإكسسوارات التي تعيق حركة المعوقين لا تختلف عن تلك الخالية من العوائق. وعلى صعيد تجهيز المدارس، يسمح بدمج الأطفال المعوقين في المدارس العادية وفي التوظيف، فإن إعادة تأهيل الطرقات والأبنية ووسائل النقل تتيح لهم الالتحاق بمراكز العمل والحد من البطالة».
بهدف «تقييم ورشة إعادة الإعمار، بعد مرور 18 شهراً على انطلاقها، وتقويمها واستخلاص العبر وتحديد مجالات التدخل المستقبلية»، دعا برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN- HABITAT) والمجلس الدنماركي لللاجئين، الأطراف المعنية إلى بحثها، من مرحلة التدخل الطارئ إلى التنمية الطويلة الأمد، علماً بأن الخسائر في العمران كانت الأكبر، وبلغت حوالى مليار دولار (13108 وحدة مهدمة كلياً و2180 جزئياً و115139 متضررة). لكن المجتمعين الممولين والمستشارين والمنفذين من المفوضية الأوروبية وممثلي الحكومات القبرصية والفنلندية والهولندية، والجامعة الأميركية في بيروت، وبيت بالجنوب وACTED المنضوية تحت المكتب الفني النقال لإعادة بناء الوحدات السكنية في قرى الجنوب والبقاع، بالإضافة إلى مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، ومجلس الجنوب، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، ومجلس الإنماء والإعمار، وجهاد البناء، وإن بحثوا في قضايا حيوية كالمحافظة على الإرث الثقافي، وخصوصاً في بنت جبيل، وإدارة النمو العمراني، وتعزيز الإدارة المحلية، إلا أنهم لم يلحظوا بعمق خلال النقاش حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الهندسية، وإن مرّ البعض مرور الكرام في توصياته أو تمنياته لتفعيل دمجهم في المجتمع. وبالرغم من الجهود التي بذلها المكتب الفني النقال في إعانة 1000 أسرة في إعادة إعمار منازلها المهدمة في الجنوب والبقاع، عبر إجراء تقييم فني لها، ووضع الخرائط الجديدة، وضعها من دون مقابل المهندسون والفنيون العاملون في إطار المكتب، والجداول بكميات مواد البناء التي تتماشى مع قيمة التعويضات التي نالتها من الهيئة العليا للإغاثة، وتوثيق عملية الإعمار ووضعها في النهاية بتصرف البلديات المحلية، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى التزام الجميع بلحظ المعوقين في «أجندتهم»، وهؤلاء ينضمون إلى آلاف الأسر التي أعادت بناء منازلها بمفردها.
ويرى المدير العام لجهاد البناء قاسم عليق أن «الأطراف التي اشتركت في إعادة الإعمار قد واجهت صعوبات شتى، مثلما وقعت في ثغرات مختلفة استخلصتها خلال التجربة، من بينها المعايير المنسجمة مع قانون 2000\220 وإجراء التعديلات على المساكن. بالإضافة إلى أن أعمال الترميم قد شملت الأضرار المباشرة من دون الالتفات إلى غير المباشرة التي قد تكون أخطر كالتشققات. وإن غياب التنسيق بين الهيئات والجمعيات خلال الحرب وبعدها، أدى إلى تشتت الجهود وتكرار العمل على ملف واحد، وإغفاله تماماً في قضايا أخرى».