جان عزيزأكدت مصادر فلسطينية مسؤولة، أنها تملك الوقائع الموثّقة نفسها، التي أشار إليها العماد ميشال عون أمس، بشأن التوجّه الأميركي ــ الإسرائيلي ــ «الفلسطيني السلطوي»، من موضوع اللاجئين.
وذكرت أن معلومات موثوقة لديها، تشير إلى أن الرئيس الأميركي جورج بوش أبلغ كلّاً من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أنه سيحمل أثناء زيارته إلى إسرائيل، في 15 أيار المقبل، «بشرى» إضافية، لدفع مشروعه للتسوية قدماً إلى الأمام.
وتضيف المصادر الفلسطينية نفسها، أن بعض تفاصيل تلك «البشرى» بات معروفاً في أوساط الضفة وغزة، ومنها إطلاق تصور مشترك بين بوش ــــ أولمرت وعباس، بشأن التسوية النهائية، على أن يكون البديل من هذا التصور، الحرب الإقليمية الشاملة، التي قد تعقب الزيارة، في حال سقوط الطرح الثلاثي أو تعثّره. ومن تفاصيل «البشرى» نفسها، إطلاق صندوق دولي لتعويض اللاجئين الفلسطينيين خارج إسرائيل وأراضي السلطة، تكملة لما كان قد أعلنه بوش في هذا الصدد، أثناء زيارته الماضية إلى إسرائيل في 13 كانون الثاني الماضي.
وتؤكد الأوساط الفلسطينية، أن مسؤولاً أوروبياً رفيع المستوى، أكد لها صحة هذا الأمر، وزوّدها مباشرة بالمزيد من التفاصيل عن آليته. فالصندوق الدولي سيكون برأسمال قدره مئة مليار دولار أميركي، وسيكون الإنفاق منه على تعويض اللاجئين، وفق التفسير الإسرائيلي لقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة، الرقم 194، كما لتقديم حوافز مالية واقتصادية للبلدان المعنية باللاجئين واستيعابهم ودمجهم.
وتنقل الأوساط نفسها عن المسؤول الأوروبي عينه، أن الرأسمال المذكور سيتوزع على ثلاث جهات أساسية مساهمة في الصندوق. وهي الدول العربية النفطية، ونسبة مساهمتها 60 في المئة، أي 60 مليار دولار، ثم اليابان بقيمة 25 ملياراً، وأخيراً المجموعة الأوروبية التي ستسهم، وفق المشروع، بقيمة 15 مليار دولار، أي أقل من عشرة مليارات يورو بقليل.
وتتابع الأوساط الفلسطينية، أن سلسلة من الإجراءات المواكبة بدأت فعلاً، وستتوالى وتتصاعد، للمساعدة في تجسيد المشروع المذكور. ومن هذه الإجراءات إعادة النظر في قوانين الجنسية في العديد من الدول العربية المعنية بخطوة استيعاب اللاجئين. وتكشف الأوساط نفسها أن عدداً من هذه الخطوات بات أمراً واقعاً. فثمة دول عربية أقرّت قبل حين تعديلات على قوانين الجنسية الخاصة بها، تأخذ بمبدأ «رابطة الأرض»، كأساس لمنح جنسيتها، للمقيمين فيها منذ عام 1965، من دون أن تلحظ أي استثناء لناحية اللاجئين الفلسطينيين لديها، علماً بأن المعنيين بهذه الإقامة الأجنبية الطويلة في تلك البلدان، ليسوا غير هؤلاء بنسبة ساحقة. كما أن بلداناً عربية أخرى أقرّت، منذ فترة وجيزة، تعديلاً آخر، يسمح للمرأة فيها بإعطاء أولادها جنسيتها، إذا ما كان هؤلاء من والد أجنبي. وهو إجراء آخر يطال الآلاف من الفلسطينيين في دول شتاتهم. وتتابع الأوساط نفسها، أن إجراءات أخرى أكثر بنيوية، تبدو كأنها تستكمل لإمرار المشروع. ومنها إرساء مناخ من الهشاشة السياسية والاقتصادية والأمنية، في الدول المحيطة بإسرائيل، تمهيداً لجعلها أكثر تجاوباً وطواعية مع المشروع. وتعطي الأوساط الفلسطينية عن هذا الاتجاه، مثلين اثنين: مصر والأردن. ففي مصر، بات النظام القائم، بحسب هذه الأوساط، أسير سياسته الغربية المعروفة. فهو محشور سياسياً بين اليسار المعارض و«الإخوان المسلمين»، ومحشور أمنياً في ظل حاجته إلى شرطة داخلية بات عديدها أكبر من عدد الجيش المصري، من أجل الحفاظ على النظام بالقوة، ومحشور اقتصادياً بأوضاع معيشية تلامس حد الاهتراء الكامل، والافتقار إلى لقمة الخبز، أو «البلدي» كما يسمّي المصريون رغيف قوتهم.
وفي الأردن، لا تبدو الأحوال أفضل، فالتوسع الإسلامي في القواعد معروف، والوضع الاقتصادي يؤشر إلى تفاقمه سعر قارورة الغاز، الذي بلغ 12 ديناراً أردنياً، في ظل حد أدنى للأجور لا يتعدى 150 ديناراً، ما يعني أن قارورة الغاز المنزلي باتت تستهلك 8 في المئة من دخل المواطن الأردني. أما سياسياً، فباتت الضفة الشرقية لنهر الأردن محشورة بين أربعة حقول للألغام، اثنان منهما متفجران، في العراق وفلسطين، وثالث ساخن في السعودية، ورابع مهدد بالسخونة في سوريا. هكذا يصير النظام القائم في عمّان مرهوناً بالكامل، في بقائه واستمراره واستقراره النسبي، إلى ثباته في سياسته الغربية المعروفة. وهي السياسة التي تخفي الكثير مما أشار إليه بإيجاز، بحث دايفيد روز حول «الحرب القذرة» الدائرة على الأراضي الفلسطينية.
بين 15 أيار وأواخر تموز، إنها الفترة الحرجة التي ترى الأوساط الفلسطينية أنها الأكثر خطورة على المنطقة، وعلى سلامها العادل، وعلى حقوق شعوبها المشروعة. «إذا لم تقع الحرب في هذه الفترة، نكون ربحنا وقتاً إضافياً، في انتظار مشاريع حروب أكثر تهوراً، أو في انتظار مشاريع حلول، أقل جنوناً».