غسان سعودازداد في الأشهر القليلة الماضية الكلام على إعادة تقويم روسي لحضور موسكو في الشرق الأوسط والانعكاسات المفترضة للدور الذي يمكن هذه الدولة العظمى أن تؤديه، وسط شبه إجماع دبلوماسي على أن ثمة توجهاً روسياً جدياً للعودة إلى المنطقة لأسباب يربطها البعض بمصالح روسيا المباشرة. إذ يمكن الروس عبر العودة تعزيز مكانتهم التفاوضيّة في ملفات عديدة عالقة مع الولايات المتّحدة منذ أعوام وتعمّق الهوّة أكثر فأكثر بين الدولتين.
لكن هذه العودة، التي تشير معطيات عسكريّة واقتصاديّة إلى أنها ستكون عبر سوريا مرّة أخرى، سيكون لها، كما تدل بعض المعطيات.
من هنا، يقول أحد المتابعين إنه يفهم تصعيد النائب وليد جنبلاط المفاجئ ضد الحاضن التاريخي للحزب التقدمي الاشتراكي، في موازاة التقارير المتداولة منذ أشهر عن نيّة روسيّة بإنشاء قاعدة عسكريّة بحريّة في مدينة طرطوس السوريّة، والإصرار الروسي على التحضير لمؤتمر دولي في موسكو يناقش في الشكل قضية الجولان ويسهم ضمناً في كسر المحاولات الغربيّة والعربيّة لعزل سوريا.
وفوجئ جنبلاط، يقول المتابع، بزيارة السفير الروسي سيرغي بوكين إلى منزل خصمه الوزير السابق وئام وهّاب الذي أولم لبوكين واستبقاه بضع ساعات في زيارة، يقول عنها وهّاب، إنها جزء من لقاءات كثيرة مع الروس بقيت بعيدة عن الأضواء، مستغرباً أن تثير الزيارة استفزاز زعيم المختارة الذي كان المبادر إلى وضع نفسه وحزبه في الحلف الدولي المعادي للروس، منقلباً بذلك على ورثة السوفيات الذين أغدقوا عليه بسخاء طوال عقود. ويشرح وهّاب أن السفير الروسي أراد من زيارته القول إن دولته مستعدة للانفتاح على الجميع، وخاصة أنها تكاد تكون الدولة الوحيدة القادرة على محاورة الجميع، فيما نصف لبنان مقفل في وجه الأميركيين.
ويقول أحد مسؤولي حزب الله إن الروس قادرون ربما على طرح مبادرة متكاملة تعيد بعض النشاط إلى الجسم السياسي المحلي، لكنهم يرفضون هذا الأمر لاقتناعهم بأن العودة الفعّالة إلى المنطقة تتطلب، لتجنب التعثر، تمهّلاً ووعياً. وهم اليوم في مرحلة إعداد التقارير التفصيلية عن القوى والأحجام والفعاليّة من جهة، وعن الملفات الشائكة من ناحية أخرى، مؤكداً أن التعاطي الروسي مع قضايا الشرق الأوسط سينضج قريباً ليغدو مماثلاً لتعامل موسكو مع الملف الإيراني، وأن المرحلة الراهنة إعداديّة، ولا يمكن تحميلها أكثر مما تحمل.
فيما يرى مسؤول العلاقات الخارجيّة في التيار الوطني الحر، ميشال دوشادرفيان أن ثمة مسعى روسياً مستمراً منذ أشهر لتخفيف التشنج، والروس يرددون أنهم متخوفون من عمل عسكري، لكن دبلوماسيتهم تستند أساساً إلى تجنّب سياسة الفرض أو إلزام احد الأطراف الداخلية ورزنامة ما. ويرى دوشادرفيان أن الروس، رغم تفهمهم لتقاليد الحكم اللبنانيّة، يمثّلون جزءاً من الاعتقاد الدولي بضرورة تمكين الأكثرية النيابية من حكم البلاد وحدها.