نقولا ناصيفلم يُدرج أركان بارزون في قوى 14 آذار، لوهلة أولى، العرض المفاجئ الذي تقدّم به الوزير السابق سليمان فرنجية بمقايضة حكومة الوحدة الوطنية بقانون الانتخاب الصادر عام 1960، إلّا في نطاق مناورة للمضي في تأخير التسوية السياسية. على أن تلقّف رئيس المجلس نبيه برّي الاقتراح واستعداده للمضي فيه، أضفيا عليه بعض الجدّية. وسرعان ما أرفقه بري بتوجيه رسائل إلى نواب في الغالبية ممّن هم على اتصال دائم به يسألهم استعدادهم للتجاوب مع اقتراح فرنجية. كانت الإجابة إيجابية، مع أن قوى 14 آذار لم تلتقِ على موقف موحّد من قانون 1960، قبل أن تدعى إلى الالتقاء على موقف موحّد من عرض فرنجية. كانت هذه أيضاً وجهة نظر أفرقاء في المعارضة كالرئيس ميشال عون الذي لم يتخذ موقفاً مؤيداً من اقتراح فرنجية، معارضاً في الوقت نفسه دعوة بري إلى طاولة جديدة للحوار.
ترجّح تقويم قوى 14 آذار لاقتراح فرنجية بين قائل إنه زلّة لسان، وقائل إنه مدروس ينطوي على لغز يرمي إلى إرباك الأفرقاء المسيحيين في قوى 14 آذار وتحريك التناقض الذي يحوط مواقفهم من قانون 1960 بغية تحميلهم تبعة رفضهم قانوناً تطلبه بكركي. وكذلك منافذ حل سياسي يرضي الموالاة والمعارضة في آن واحد. وكان فرنجية قد قرن القبول بالمقايضة بالتوجّه فوراً إلى انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيساً. توقف تقويم قوى 14 آذار عند غموض ظاهر في اقتراح فرنجية بقوله إن التفاهم على حكومة الوحدة يحصل لاحقاً مع الرئيس الجديد، متجاوزاً بذلك موقفي حزب الله وعون المتمسكين بشراكة كاملة في حكومة الوحدة يتفق عليها سلفاً قبل انتخاب سليمان. بذلك استخلص الأركان البارزون في قوى 14 آذار من تعدّد الاقتراحات التي أطلقتها المعارضة في الآونة الأخيرة، بعضها تعارض والبعض الآخر، أنها تعاني إنهاكاً سياسياً تبحث من خلاله عن حلّ، من غير أن توحي بأنها فقدت قدرتها على المناورة وعرقلة حلول لا تستسيغها.
على أن توقفها ملياً عند اقتراح فرنجية اتصل بملاحظات، أبرزها:
1 ــــ الكلام الرائج عن توسيع نطاق نفوذه إلى خارج زغرتا والمناطق المسيحية المجاورة، المتفاوتة الولاء تقليدياً لعائلة فرنجية، إلى المتن وكسروان وجبيل، وهي التي تُعدّ، وفق نتائج انتخابات 2005، منطقة نفوذ عون وشعبيته، الأمر الذي يشير إلى «بروفيل» جديد يحاول فرنجية أن يطلّ به، ويبدو أنه بات أقرب إلى ملاقاة وجهة نظر رئيس المجلس منه إلى وجهة نظر حليفه الماروني رئيس تكتل التغيير والإصلاح. والاستنتاج الذي يقول به الأركان البارزون في الموالاة هو أن فرنجية يسعى إلى استيعاب ما يعتبرونه نفوراً يسود مؤيّدي عون تصاعدت وتيرته في الأشهر الأخيرة، وضاعف من وطأته الموقف الأخير للنائب ميشال المرّ، إذ أوحى أن المتن في أحسن الأحوال ليس متناً واحداً.
2 ــــ يعتقد هؤلاء أن فرنجية أكثر من طرف آخر في المعارضة، وأنه الماروني الوحيد بالتأكيد في هذا الفريق، القادر على الحصول على موقف سوري مؤيّد لوجهة نظره من الحلّ السياسي، دون أن يخرج بالضرورة على بنود المبادرة العربية. لم يشطب بنوداً، بل أعاد ترتيب كل من البندين الثاني والثالث، بحيث يعوّض حصولُ المعارضة على مكسب سياسي مهم هو قانون 1960 خسارتها حكومة الوحدة الوطنية في مرحلة لن تقوى فيها أي حكومة جديدة من الآن وحتى موعد انتخابات 2009 على اتخاذ قرارات رئيسية.
بذلك ينضصم فرنجية إلى وجهة نظر برّي أيضاً القائلة بأن المرحلة المقبلة هي لتأليف حكومة انتخابات لا لإعادة بناء التوازن السياسي في السلطة وخارجها بين الموالاة والمعارضة، وما صحّ في تقدير المعارضة عن المهمة المطلوبة من حكومة الوحدة الوطنية عندما طالب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 22 أيلول 2006 للمرة الأولى لم يعد يصح
الآن.
3 ــــ رغم تباين الآراء داخل قوى 14 آذار من قانون 1960، والهواجس التي تنتاب بعض نوابها من إمكان فقدانهم مقاعدهم في ظلّ هذا القانون، فإن وجهة النظر الإيجابية التي أُبلِغت إلى بري بالموافقة على مقايضة حكومة الوحدة الوطنية بقانون 1960 ليست مطلقة، وذلك بسبب ما يتطلّبه القانون نفسه، وهو حاجته إلى تعديلات تأخذ في الاعتبار دروس تطبيقه طوال 12 عاماً (1960 ــــ 1972)، كذلك الاستثناءات والتطورات التي طرأت في السنوات الـ48 مذ وضعه الرئيس فؤاد شهاب موضع التنفيذ في 26 نيسان 1960 وأبرزها:
ــــ إعادة توزيع المقاعد الـ29 التي أضيفت إلى قانون 1960 وجعلت البرلمان 128 نائباً، وبعضها فرضته دمشق بغية إنابة حلفاء لها في دوائر تفتقر إلى عدد من الناخبين يستلزم وجود المقعد فيها، شأن المقعد الماروني في طرابلس والمقعد الدرزي في بيروت. ومع أن الحجة التي سيقت آنذاك محلية لتبرير هذين المقعدين وسواهما، وهي ضرورة تمثّل كل الطوائف الرئيسية في المدن الكبرى كبيروت وطرابلس دون الأخذ في الحساب صلة المقعد بناخبيه، فإن غاية الحجة السورية كانت مختلفة تماماً.
ــــ نزع الاستثناء عن قانون 1960 الذي دمج ستة أقضية في ثلاث دوائر انتخابية، هي دائرة قضاءي بعلبك ــــ الهرمل، ودائرة قضاءي البقاع الغربي ــــ راشيا، ودائرة قضاءي مرجعيون ــــ حاصبيا. الأمر الذي يحتّم رفع الأقضية الـ26 في قانون 1960 إلى 29 قضاءً تحقيقاً للمساواة بين الأقضية تلك.
ــــ لا تتوهّم قوى 14 آذار من نتائج انتخابات محتملة في الدائرة الأولى لبيروت إذا أعيد الأخذ بالتقسيم الذي رسمه لها قانون 1960، وتعتقد أن التطور الديموغرافي في هذه الدائرة وطبيعة التحالفات السياسية والقوى الرئيسية والتقليدية المسيحية التي تخوض انتخابات الدائرة الأولى ــــ وهي نفسها تقريباً منخرطة في هذا الفريق باستثناء حزب الطاشناق ــــ تمكّنها من الفوز بمقاعد الدائرة الأولى بكاملها. أضف دخول الناخب السنّي بقوة فيها. بذلك تقلّل الغالبية من تحفظها عن تقسيم بيروت دوائر ثلاثاً، من غير أن يتخلى أفرقاء أساسيون فيها عن رفضهم العودة إلى قانون 1960 بذرائع مختلفة.