لا بد من حدوث توافق فلسطيني شامل على تجنيب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أية صراعات محتملة، ويجب أن تبذل الجهود من أجل حفظ أمن الفلسطينيين وحقوقهم المدنية، ورفض التوطين، إلى حين عودتهم إلى فلسطين». هذه هي خلاصة التقرير الذي أصدره، أمس، مركز الزيتونة للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان «انعكاسات الأزمة اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان». ويُعدّ التقرير خلاصة حلقة نقاش عقدت في مركز الزيتونة، وشارك فيها 15 متخصصاً وباحثاً في الشأن الفلسطيني واللبناني. وأظهر أن «الأزمة اللبنانية السياسية تثير حالة قلق حقيقي من أن تمتد بآثارها وانعكاساتها السلبية على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وهناك مخاوف جدية من توظيف الوضع الفلسطيني على أسس طائفية أو سياسية لخدمة أي من أطراف النزاع؛ ومن أن يجري ترتيب الملف الفلسطيني وفق «أجندات» مرتبطة بمشروع التسوية والعلاقة مع إسرائيل، مما يهيئ لمخاطر النزاعات الدموية ومشاريع التهجير والتوطين».وينبه التقرير إلى أن «الوجود الفلسطيني في لبنان، بانتمائه السني، وتوجهه المقاوم، وقلقه من التوطين والتهجير، يمثّل حالة تأثير محتمل على الساحة، تحاول الأطراف اللبنانية توظيفها». ويشير إلى سعي الأطراف اللبنانية لاستقطاب من تستطيع استمالته من القوى والشرائح الفلسطينية، ما قد يؤدي إلى انقسامات فلسطينية، قد تكون لها انعكاسات خطيرة، إذا ما وُظّفت أمنياً لخدمة «أجندة» أي من الأطراف، علماً بأن الانتماء السني لفلسطينيي لبنان، يغري بعض أطراف 14 آذار لتوظيفهم مذهبياً ضدّ قوى المعارضة، وتحديداً ضدّ حزب الله. غير أن غالبية الفلسطينيين، في الوقت نفسه، تدعم تيار المقاومة، وتراه عنصر حماية لوجودها، وتعزيز آمالها في العودة ورفض التوطين، وترفض هذه الغالبية «الأجندات» الأميركية في المنطقة؛ مما يعني أنها قد تمثّل رصيداً يشجع المعارضة على استثماره إذا ما ساءت الأوضاع.
ويرسم التقرير ثلاثة سيناريوهات متوقعة في حال استمرار الأزمة. الأول هو سيناريو التوطين الذي يقوم على أساس أن المفاوضات تتجه إلى إسقاط حقّ اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. ويشير إلى احتمال أن يتمّ تفاهم بين قيادة السلطة الفلسطينية (أو م.ت.ف) والحكومة اللبنانية على أن يعطى اللاجئون جوازات سفر السلطة الفلسطينية، وهو ما قد يتيح للفلسطينيين حرية الحركة والعودة إلى فلسطين المحتلة سنة 1967 إذا ما حصلت تسوية نهائية تسمح بذلك، أو الهجرة إلى خارج لبنان. وهو ما يسمح بالتذويب التدريجي لمشكلة اللاجئين في لبنان، باتجاه إنهائها؛ وإذا ما تبقى عدد قليل منهم، فمن المحتمل أن يعرض عليهم التجنيس أو التوطين في لبنان. ويخلص إلى أن حدة الانقسام اللبناني، يزيد من صعوبة هذا الاحتمال، ويجعل حظوظه ضئيلة، ويؤجله لحين حسم الخلاف بين المعارضة والموالاة.
أما السيناريو الثاني فهو بسط «سيادة الدولة» وإعطاء اللاجئين «الحقوق المدنية». ويكتسب هذا السيناريو قوة، من تعهد الحكومة اللبنانية بتطبيق مقتضيات القرار الدولي الرقم 1559. ويرى التقرير أن حظوظ هذا السيناريو تعززت من خلال ما حدث في مخيم نهر البارد في صيف 2007. وتتزايد تصريحات المسؤولين اللبنانيين بضرورة إبقائه خالياً من السلاح. ويشير التقرير إلى تعاطف جميع القوى اللبنانية مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية، غير أن الشلل يؤخر الاتجاه نحو تحقيق هذا المطلب الإنساني.
ويرجح التقرير السيناريو الثالث الذي يقضي باستمرار الوضع الراهن، لأنه يمثّل امتداداً للوضع القائم. وهذا يعني أن الفلسطينيين ومخيماتهم سيبقون، على الأغلب في هذه المرحلة، يعانون وطأة الوضع الراهن، إضافة إلى احتمال ارتفاع وتيرة الأحداث الأمنية، وتشديد الإجراءات على تعاملاتهم وتحركاتهم، بشكل متزامن مع استمرار معاناتهم المعيشية، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تفكيك ملف اللاجئين وتفريغ المخيمات، بشكل هادئ وتدريجي، ضمن الأراضي اللبنانية وخارجها.
ويخلص التقرير إلى تقديم مجموعة اقتراحات منها: دعوة فتح وحماس وباقي القوى الفلسطينية لتوحيد المرجعية السياسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. تأليف مرجعيات أمنية موحدة في المخيمات. استصدار قرار عربي برفض التوطين وحماية حقّ العودة، والتأكيد على الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين، تشريع حقوق الفلسطينيين المدنية بنصوص قانونية لبنانية، مصدّق عليها برلمانياً، واتخاذ موقف فلسطيني موحد بعدم الانخراط في محاور الأزمة اللبنانية الداخلية، والبقاء على الحياد.
(الأخبار)