strong>تتكسّر أحلام الطلاب الجامعيين، في الأماكن الريفية أو البعيدة عن مراكز جامعاتهم في الجنوب. عند قارعات الطريق الانتظار سيد الوقت قبل عبور باص أو سيارة أجرة تهلّ هلال الرحمة، فيما تنعدم في القرى والبلدات وسائل الاتصال والمعلومات، كالمكتبات ومراكز الإنترنت. أما أوقات الفراغ، فهي عند الطلاب للفراغ ليس إلا
نغم جوني ــ مريم نسر
تسابق الطالبة في الفرع الخامس من كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في صيدا داليا عطيه، الصباح أو حتى الفجر أحياناً، لتهتدي قبل طلوعهما إلى سيارة تقلها من بلدتها كفرا في قضاء بنت جبيل إلى جامعتها في صيدا، ولتخوض قبل وصولها غمار الطرقات الملتوية والمتعرجة، أو المليئة بالحفر في غالبيتها. «أنهض قبل ثلاث ساعات من بدء دوام الجامعة من أجل تحضير نفسي، ولأهتدي باكراً إلى سيارة سرفيس أو باص للركاب، لا تكون وجهتهما دائماً الجامعة في صيدا، بل هناك مجموعة من المحطات قبل الوصول إليها». ومن البلدة الواقعة في قضاء بنت جبيل، تنتقل داليا إلى الطريق الساحلية، قرب صور، عبر طرقات معظمها محفّر، ومن بعدها تهون المشقة، «أقضي معظم نهاري في السرفيس».
لا تملك داليا وقتاً للفراغ بحسب قولها «وقت الفراغ عندي هو للنقليات، وعندما أصل إلى بيتي أكون منهكة تماماً، أحتاج إلى الراحة والنوم، وعليّ سرقة الوقت المتبقي للقليل من الدرس».
غياب وسائل الاتصال
وتؤكد داليا أنّ وسائل الإيضاح والبحث تغيب عن بلدتها الواقعة قرب تبنين «في بلدتي تغيب هذه الأمور، المكتبة ومحلات الإنترنت، وأقرب مكان إليها هو تبنين التي تفتقد هي الأخرى أجهزة متطورة في هذا المجال، لأن الموجود للفتية واللهو فقط؛ ولا سبيل أمامي للقيام ببحث ما إلا البقاء وقتاً إضافياً في الجامعة، مستعينة بمكتبتها التي تفتقد هي الأخرى قاعات الإنترنت».
من جهتها، لا تطيق الطالبة فاطمة حمود العيش في بلدتها حومين الفوقا، في إقليم التفاح؛ تردد جملتها المعبّرة عن موقفها مرات ومرات، وتقرن ذلك بحجج عن النواقص في المكتبة والإنترنت ومعاناتها في الانتقال يومياً منها إلى صيدا، نحو ثلاثين كيلومتراً، عبر طريق صعبة بين البلدات والقرى «أضطر في أحيان كثيرة إلى التغيب عن الجامعة، حينما تكون حصص الدرس قليلة، أو الطقس ماطراً أو عاصفاً؛ ومرد ذلك إلى صعوبة المواصلات». يمكن أن تكون الطريق إلى النبطية أقل حيلة، لكن لا وجود للاختصاص الجامعي المرجو فيها، «ولا خيار آخر أمامي إلا جامعة صيدا».
وتؤكد فاطمة أن أقرب مركز إنترنت لبلدتها يبعد عنها أكثر من عشرين كيلومتراً «لذلك لا خيار أمامي في سبيل إعداد بحث ما إلا مدينة صيدا، وهذا يحتاج إلى تفرغ يومي، أي إنني أعمل حسابي أن هذا اليوم مخصص فقط للبحث والإنترنت، ولا ضير إن غبت عن الجامعة من أجل ذلك».
بين القرية والمدينة
أما الطالبة زينب فنيش فتأتي من بلدتها معروب في الجهة الشرقية من قضاء صور إلى جامعتها في صيدا، لذلك تصر «على أن الحياة في القرية تعب وجهد ومن دون مقابل، فما يحققه طلاب المدينة من نجاح وإيجاد فرص عمل يصعب علينا تحقيقها في القرية، عدا عن تكلفة المواصلات وتضييع الوقت على الطرقات، إنّ قريتي معروب نائية عن كل شيئ متطور أو متحضر إذا أرت استخدام الانترنت عليّ التواصل مع قريبتي في بيروت لتعطيني المعلومات التي أريدها، فالمدينة ألف رحمة من القرية».
وتنتقد زينب كذلك غياب الجامعة، حتى عن المدينة القريبة «مدينة صور هي قبلة المنطقة الحدودية وقضاءي صور وبنت جبيل، ولا وجود لجامعة رسمية فيها، هل يعقل ذلك؟».
وتعبّر الطالبة فاطمة مكي المقيمة في رومين (إقليم التفاح) عن رغبتها بالانتقال للعيش في بيروت، حيث جامعتها، «فصعوبة المواصلات ترهقني، ومكان سكني يرتبط بسكن أهلي في رومين».
وتقول: «أنتقل يومين في الأسبوع إلى جامعتي في بيروت، لكن، بمشقة لا توصف. أما بلدتي فليس فيها شيء من وسائل الترفيه أو المكتبات، وهناك دكان متواضع للإنترنت، لكن، يمكن الوصول إلى صيدا قبل الوصول إليه. في بلدتي لا مجال للطموح أو الأحلام، وعلي التسليم بواقع لا يمكن تبديله في المدى المنظور القريب».
معاناة جسدية ونفسية
ولا تختلف الصورة في قرى النبطية، إذ ترهق المواصلات الطلاب جسدياً ونفسياً، فتتنهد الطالبة زينب وطفى وهي تشكو معاناتها اليومية في التنقّل من صور إلى كلية العلوم ـــ شعبة النبطية في الجامعة اللبنانية: «أقضي ثلاث ساعات على الطرقات، ساعة ونصفاً ذهاباً ومثلها إياباً، إضافة إلى مشقة الاستيقاظ الباكر جداً كل يوم». والعبء المالي يتعب زينب التي تدفع 75 ألف ليرة لبنانية اشتراكاً شهرياً للباص «أتقيد بدوامه وهو ما يزعجني، فأحياناً تنتهي الصفوف باكراً ولكن علي انتظاره». ولدى وصول زينب إلى الكلية، تبدأ مشكلة أخرى، هي بُعد المدخل عن الصفّ «في الشتاء أصل إلى القاعة وأكون مبلّلة كلياً، كذلك الأمر في أوقات الفراغ، إذ إنّ الكافيتيريا صغيرة جداً، فنضطر إلى الجلوس في الملعب صيفاً شتاءً».
لا تنتهي المشكلات عند هذ الحدّ، فالدروس التي تبدأ عند الثامنة صباحاً، تسبقها صراعات مع باقي الطلاب لتأمين مكان في الصفوف الأمامية، إضافة إلى سعي الطالب للحصول على كرسي للجلوس، أو يحضر الدرس واقفاً طوال الحصّة.
توافق الطالبة ناديا وطفى على ما تقوله زميلتها، وتضيف «لقد زادوا المواد الإلزامية التي غالباً ما يكون دوامها متأخراً، لا يمكن التغيّب إلا مرتين، وإلا نحرم من الامتحان».
أما الطالبة لارا رمّال التي تسكن منطقة الدوير في النبطية، فلا يبعد بيتها أكثر من عشر دقائق عن الكلية «إلاّ أن التزامي بباص هو المشكلة. فالسائق يقلّ يومياً نقلة واحدة، وإذا انتهت محاضراتي باكراً، فعليّ انتظار وقت الانطلاق طويلاً». أما اللجوء إلى سيارة الأجرة فهو أمر يفوق ميزانية لارا التي تدفع شهرياً 60 ألف ليرة لبنانية بدل اشتراك في الباص.