strong>ردّت الحكومة اللبنانية أول من أمس على تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان بشأن موضوع الاعتقال التعسفي لثمانية أشخاص في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي صدر في 30 تشرين الثاني 2007. وجاء ردّ الحكومة على شكل مذكّرة مزجت بين السياسة والقانون، وتثير هذه المذكرة بعض الملاحظات في الشكل وفي المضمون
وسيم وهبه
فنّدت المذكّرة الموجّهة من الحكومة اللبنانية إلى المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة جميع النقاط المثارة في تقرير فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي الذي جاء فيه أن حجز حرية الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري

«تعسفي لتعارضه مع ما تنص عليه المادتان 9 و14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعد لبنان طرفاً فيه». وكان الفريق المذكور قد أنهى إعداد التقرير يوم 30 تشرين الثاني 2007 وانتظرت حكومة فؤاد السنيورة أكثر من 4 أشهر قبل أن تعلن مذكّرة كانت قد أرسلتها في 29 شباط 2008.
قراءة في المضمون
ورد في المذكرة: «من حق القضاء اللبناني أن يتخوف من فرار هؤلاء حتى ولو منعهم من السفر أو وضعهم تحت الحرية المراقَبة، لأن الجهات التي ينتمون إليها والتي تدافع عنهم بقوة من خلال تصريحات رؤسائها عبر وسائل الإعلام كافة هي جهات لها نفوذ وتدخل في عداد قوى الأمر الواقع في بعض مناطق لبنان، وهي بالتالي قادرة على توفير ملاذ آمن لهؤلاء الموقوفين، سواء أفي لبنان، حيث المخيمات والمربعات الأمنية، أم في الخارج في بلد لديه مصلحة في إخفاء معالم الجريمة أو ضياع الدليل، إذا تم استدعاؤهم إلى المحكمة الدولية، هذا مع العلم أن لدى بعض هؤلاء الضباط جوازات سفر غير لبنانية أجنبية جُهزت لهم من قبل أصحاب المصلحة، وبالتالي يمكن أن يغادروا لبنان إلى مستوطنهم الثاني ويختفوا». إن هذا الخوف على «فرار» الضبّاط سببه سياسي بامتياز، كما يشير نصّ المذكّرة. ويبدو أن الخشية السياسية تستلزم من الحكومة التعسّف باستعمال حقها في اعتقال الضباط الأربعة.
وفي شأن آخر، كان لافتاً استخدام المذكّرة عبارات «الجهات التي ينتمون إليها» و«المربعات الأمنية»، علماً بأن الضباط الأربعة الموقوفين كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد وقّع على مراسيم تعيينهم وترقيتهم، وعلماً بأن في بيروت وحدها أكثر من ثلاثة مربّعات أمنية تابعة لقوى الأكثرية النيابية، ومنها مربّعا النائبين وليد جنبلاط وسعد الحريري.
تعرض المذكرة تبرير التوقيف الاحتياطي المستمرّ منذ أكثر من سنتين ونصف، فتعلن صراحة أن «العبرة من التوقيف الاحتياطي تعود لأسباب كبيرة غير التورط الجرمي وهي: الحؤول دون فرار المشتبه فيهم أو ضياع الدليل، أو حتى للحفاظ على أرواح المشتبه فيهم». ثم يرد في مكان آخر في المذكرة أن المحقق العدلي «طبق المادتين 108 و363 من قانون المحاكمات الجزائية الذي بموجبهما يبقى غير مقيّد بأية مدة للتوقيف الاحتياطي لكون الأفعال المرتكبة محالة أمام المجلس العدلي وتدخل في عداد الجناية ذات الخطر الشامل والاعتداء على أمن الدولة». بعد هذا العرض لما جاء في المذكرة لناحية التوقيف الاحتياطي لا بد من إبداء الملاحظات الآتية:
1ـ المبدأ في قرار التوقيف، وبحسب نص المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أن يكون معللاً، وأن يبين فيه المحقق الأسباب الواقعية والمادية التي اعتمدها. وتنص المادة 108 في فقرتها الثانية من القانون نفسه على أنه «ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل». وبالتالي فإن المشرع ألزم القاضي عدم تجاوز مدة 6 أشهر في الجنايات باستثناء ما سبق ذكره، ويمكن تجديده لمرة واحدة مشروطة بالتعليل. وهذا يعني أن شرط التعليل هو سبب جوهري وركن أساسي لقرار التوقيف. وبالتالي فإن قرار التوقيف بالنسبة إلى الجنايات المستثناة في المادة 108 يبقى مستنداً إلى التعليل الذي على أساسه صدر القرار في البدء، ويجب أن يبقى التعليل قائماً وكذلك أسبابه الواقعية والمادية، وعندما تزول هذه الأسباب يزول معها السند القانوني للتوقيف. وخلاصة الأمر أن الأسباب التي تم على أساسها توقيف الضباط الأربعة (شهادتا الصديق وهسام) قد زالت، وبالتالي تنتفي قانونية قرار التوقيف مع انتفاء سببه الرئيسي.
2ـ لم تكن الحكومة بحاجة إلى هذا الدفاع عن قرار التوقيف وإظهار سنده القانوني، إذ إن فريق العمل لم يناقش في قانونية القرار كما بيّنا آنفاً، إنما انتقد التوقيف التعسفي. والتعسف في استعمال الحق يعني أن للجهة المعنية حق القيام بعمل محدّد، ولكن يجب أن لا تتعسّف باستعمال هذا الحق، وبالتالي إذا كان قرار التوقيف جائزاً قانوناً للقاضي، فإنه من غير الجائز التعسّف بإبقاء الموقوفين طول هذه الفترة من دون معرفة موعد محاكمتهم، وهذا ما يخالف صراحة المادتين 9 و14 من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية.
قراءة في الشكل
1ـ أعلن تقرير فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي صراحة أن الاعتقال تعسّفي، وتمنّى على الحكومة اللبنانية «اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح أوضاع هؤلاء الأشخاص، بما بتناسب مع ما تنص عليه المعايير المنصوص عليها في العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية». فما كان من الحكومة إلا أن ردّت على هذا التقرير وانتقدته ودافعت عن الاعتقال وطلبت من الفريق الرجوع عن رأيه لعدم وجود توقيف واعتقال تعسفيين. وبالتالي إن دفاع الحكومة عن الاعتقال التعسفي يمكن أن يشرّع لهذا النوع من الاعتقالات في مواضيع أخرى، فيصبح الاعتقال التعسفي مظهراً من مظاهر الحفاظ على الديموقراطية والحرية والسيادة والاستقلال.
2ـ استشهدت مذكرة الحكومة بالعديد من اجتهادات المحاكم الدولية في يوغوسلافيا ولوكربي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولم تستشهد باجتهاد واحد في القانون الفرنسي الذي استقيت منه القوانين اللبنانية، وخاصة قانون أصول المحاكمات الجزائية. أضف إلى ذلك أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لم تبصر النور بعد، وبالتالي لا يمكن اعتماد اجتهادات محاكم دولية على محاكمات داخلية تختلف بطبيعتها وظروفها عن المحاكمات التي تجري في المحكمة الدولية.
3ـ لا تخلو المذكرة من الأخطاء اللغوية والشكلية، بالإضافة إلى بعض العبارات التي تعيد التذكير بإنجازات فريق معين من اللبنانيين وتتهم فريقاً آخر بنيته تهريب الضباط الأربعة إذا أخلي سبيلهم. وماذا ينفع مثلاً إيراد عبارة «في 28/2/2005 وتحت تأثير ضغط شعبي هائل استقالت حكومة الرئيس عمر كرامي...»؟