أنطوان سعدتتقدم المساعي بين البطريركية المارونية ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، التي يقودها رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، وأمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان، بخطى بطيئة، لكن واثقة. وبدأ عملياً التفكير في الخطوة التالية المتمثلة بالتحاور مع القيادات المسيحية في قوى الأكثرية النيابية، بشأن جملة قضايا، أبرزها قانون الانتخاب الذي سوف تجري على أساسه الانتخابات التشريعية المقبلة، وبخاصة التعديلات المطروحة على قانون 1960، لناحية تقسيم الدوائر الكبيرة.
إذ بعد الزيارتين اللتين قام بهما النائب كنعان إلى بكركي بعد ظهر السبت الماضي وإلى مطرانية بيروت، صباح أمس، بلغت المساعي حدوداً مقبولة من التفاهم على قراءة المسائل المطروحة على الساحة، مثل قضايا التهميش والتوطين، وبيع الأراضي، إلى ما سوى ذلك من مسائل يطرحها تكتل التغيير والإصلاح، وعلى التقدير لخطورة الظرف السياسي والأمني الذي تجتازه البلاد. حتى التباين بين الموقعين بشأن الموقف من الفراغ الرئاسي وطريقة إملائه، بشروط أو بغير شروط، قد أصبح أقل شأناً في ظل التساهل الذي باتت تبديه المعارضة حيال قضية التوافق المسبق على الحصص في الحكومة العتيدة.
الجدير ذكره، في هذا الإطار، هو أن العماد ميشال عون يبدي حرصاً على نجاح هذه المبادرة، وعلى الحفاظ على كرامة المقام البطريركي، لا سيما على مستوى التأكيد في أكثر من مناسبة أمام المطران مطران أو أمام معاونيه وحلفائه، أن ما يجري مع البطريرك الماروني نصر الله صفير هو نقاش وتبادل أفكار، وتوضيح وجهات نظر وخلفيات، ولا يمكن أن يرقى في أي حال من الأحوال إلى درجة الاشتراط أو ما شابه.
وهو يعي أن مسؤولية الحفاظ على القوة المعنوية التاريخية التي تمثّلها البطريركية المارونية منذ ألف وأربعمئة عام، تقع بالدرجة الأولى على القيادات السياسية المسيحية. وإن الزيارة التي قام بها النائب كنعان يوم السبت الماضي، تمت بناءً على رغبة رئيس تكتل التغيير والإصلاح نفسه، وبتكليف منه. وهي تعبّر عن رغبته في تحسين علاقته بسيد بكركي الذي عرف بدوره كيف يشعر مندوب العماد عون بالترحاب، وبأن الأبوة البطريركية لا تميز بين أبناء الكنيسة. وإن للنائب كنعان الذي لم ينجرّ يوماً في الحملة ضد البطريرك صفير، والذي يحاول دائماً تحسين العلاقة بين سيد بكركي ورئيس تكتله، مكانته في الصرح البطريركي التي تمكّنه من لعب الدور المطلوب من الجنرال.
أما الخطوة الثانية المتوقعة في هذه المبادرة، فتتمثل بمتابعة الاتصالات بين المطران مطر والعماد عون والنائب كنعان من جهة، لتعميق التقارب الحاصل والتفاهم والتنسيق على الخطوات الواجب اتخاذها في المرحلة المقبلة، ومن جهة ثانية، فتح حوار بين الكنيسة والقوى المسيحية في تجمع الرابع عشر من آذار، ومفاتحتها بموضوع قانون الانتخاب، وبالتقسيمات الواجب اعتمادها من أجل إقرار قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل للمسيحيين وغيرهم من اللبنانيين. وخلاصة ما طرحه العماد عون على المطران مطر، ومن خلاله على البطريرك الماروني في هذا المجال، هو أن التيار الوطني الحر قادر على إقناع حلفائه، وتأمين نحو ستين صوتاً في مجلس النواب للموافقة على قانون انتخاب يناسب المسيحيين. فلمَ لا تبادر الكنيسة إلى سؤال مسيحيي الأكثرية عن تقسيمات الدوائر الانتخابية التي يقترحونها، وبالتالي رعاية توافق مسيحي على قانون الانتخاب؟
مصادر قريبة من الكنيسة المارونية تشير إلى أن ثمة حواراً قد بدأ بالفعل مع قوى الأكثرية وشخصياتها في موضوع قانون الانتخاب. وما لمسته منها حتى الآن قريب جداً من التصريح الذي أدلى به نائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية النائب جورج عدوان في بكركي، يوم الأحد الماضي، بعد اجتماعه مع البطريرك صفير، وهو أن الموالاة ترفض البحث في قانون الانتخاب قبل انتخاب رئيس الجمهورية «ونحن نتعهد في أول يوم بعد الانتخاب أن نولي إقرار قانون عادل الأولوية القصوى، ونحن لن نقبل بقانون عام 2000، وإذا خيّرنا بين قانون الـ2000 وقانون عام 1960، نفضل الأخير مع محاولة تحسينه»، وفق ما قاله النائب عدوان.
وتضيف هذه المصادر أن الكنيسة تتفهم قلق التيار الوطني الحر من عدم الالتزام بالوعود المقطوعة بمعالجة الإجحاف بحق المسيحيين بعد حصول الاستحقاقات، كما حصل في الانتخابات النيابية الأخيرة، وتأليف الحكومة عندما كانت الوعود تتوالى من جهات محلية ودولية بالانكباب على وضع قانون انتخاب بعد إتمام الاستحقاق. فحتى التصور الذي وضعته الهيئة الوطنية الخاصة بقانون الانتخاب التي ترأسها الوزير السابق فؤاد بطرس، قبل أشهر عديدة من وقوع الأزمة الوزارية، لم يطرح حتى الآن على مجلس الوزراء. غير أن هذه المصادر تسأل: هل التأثير المسيحي في المعادلة يكون أقوى أم أضعف إذا انتخب رئيس للجمهورية؟