عالم السحر يزاوج العقلنة والميكانيك والأعداء أشرار تتبدّل جنسياتّهم بتغيّر السياسة العالميةبيسان طي
تحتل الألعاب الإلكترونية مساحة كبيرة من اهتمامات وأوقات محبي الوسائط التكنولوجية، وتسهم بشكل متزايد في تشكيل وعي الجيل الجديد. إذ يذهب كثيرون إلى أنها ستتفوّق على التلفزيون تأثيراً، وتتعالى الأصوات المحذّرة من غلبة الطابع الحربي عليها وبشكل خاص من قدرتها على الترويج لعالم موحّد تحكمه «قبضة المخافظين الجدد»

دخلت الألعاب الإلكترونية (jeu video) بخجل الحياة السياسية في لبنان، فمثّلت «الوعد الصادق» حدثاً، وأحدث مشروع «اقتحام السراي» الإلكتروني قلقاً أو بلبلة، ووعدت «حروب لبنان» باسترجاع ذاكرة صنعتها مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية، ثم انطوى الكلام عن مشاريع لتطوير ألعاب جديدة، لكن اللافت أن اللبنانيين «ركبوا» الموجة، ولم يسهموا في هذا الميدان إلا من باب الأعمال «الحربية» أو الـ«أكشن». على أي حال يذكّر مؤرّخو التكنولوجيا بأن الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو ولدت من رحم الشراكة التي جمعت في نهاية الخمسينيات مراكز الأبحاث الجامعية وشركات أميركية منتجة للتكنولوجيا، لتمثّل لعبة «space war» (1962) النموذج الرئيس لمفهوم التفاعل بين التكنولوجيا ومستخدمها. «إنها فوضى تغيِّب القانون والأخلاقيات، إن الحرب صارت بمتناول الجميع» يكتب توني فورتان (المشارك في تأليف كتاب «الألعاب الإلكترونية: التطبيق والمحتوى والتحديات الاجتماعية»)، لافتاً إلى أن صناعة هذه الألعاب في تطور مستمر، وعائداتها بلغت العام الماضي مثلاً 20 مليار دولار. التفاعل بين اللاعب واللعبة هو سرّ رواجها، ويرى الكاتب الأميركي ستيف بود في «Trigger Happy» أن الألعاب الإلكترونية تمثّل المرحلة الأخيرة من «علمنة» السحر، فيها يلتقي مبدأ «العقلنة الدقيقة» التي تفرضها الميكانيك مع أجواء روحانية أو باطنية. يصنع اللاعب عالم اللعبة ـــــ وفق قواعدها ـــــ ويعيد تشكليه باستمرار، ويبدو له أنه يعيد تشكيل الحقيقة التي تنهار بكبسة زر، أي عندما يطفئ جهازه.
تأقلمت الألعاب الإلكترونية مع الصراعات الدولية، وظلت الولايات المتحدة المهيمنة ـــــ ثقافياً بشكل خاص ـــــ على هذه الصناعة، ففي فترة الحرب الباردة كانت الألعاب كـ«Red Alert» و«Balance of Power» تركز على الصراعات الثنائية، أما في المرحلة الحالية فقد صارت شريكاً في الحرب على الإرهاب، حيث العدو إسلامي متطرف كما هي الحال في «Command and Conquer Generals» و«Act of War» و«War front: turning Point» وغيرها. وتتولى الشركات التي تنتج هذه الألعاب جزءاً من مسؤولية تدريب عناصر في الجيش الأميركي وجيوش أخرى، ومنذ تولي بيل كلينتون الرئاسة الأميركية، ازدادت الميزانية التي يخصصها البنتاغون لهذه الغايةومن اللافت تزايد الأخبار عن شركات الألعاب الإلكترونية المشاركة في «الجهود الحربية»، في إسرائيل مثلاً صارت هذه الشركات شريكاً أساسياً في صناعة الحرب واستراتيجيات القتال والتدريبات العسكرية، وتروّج بعض المؤسسات المنتجة لتكنولوجيات الحماية لألعاب إلكترونية، هذا مثلاً حال شركة «Golan group» الإسرائيلية التي تحتل مكانة متقدمة عالمياً في صناعة تكنولوجيات الأمن القومي، ومن الخدمات المتطورة التي تقدمها ألعاب فيديو لتصميم «استراتيجيات مقاتلة الأعداء».
بحسب فورتان، فإن الألعاب الرائجة تحارب «التنوع السياسي والثقافي» وتخلط بين «الحرب على الإرهاب وتجريم أي محاولة للبحث عن سياسات بديلة» للنيوليبرالية.
حرب الخليج الثانية اندلعت على شاشات الألعاب قبل أن تقع على أرض منطقتنا، ومفهوم «صفر خسائر» هو مفهوم أنتجته ألعاب الفيديو، وبعد مرور أكثر من قرن يبدو أن حياتنا ذاتها صارت امتداداً لمفاهيم صنعتها الألعاب الإلكترونية، فيكتب المفكر الفرنسي بودريار أن مفهوم «الحرب الاستباقية» ما هو إلا «برمجة تفكيكية أوتوماتيكية» لأي شيء قد يحدث في الواقع وأنها «وقاية على امتداد العالم من أي حدث قد يؤثر على النظام العالمي. إنها نهاية لأي حدث... نهاية التاريخ».