راجانا حميةيعيش بلال زين الدين بعيداً عن والديه، في بلد بعيدٍ اختاره له مرضه المزمن «الهيموفيليا». لم يكن لدى الشاب الوحيد أيّ خيارٍ آخر يبقيه في لبنان، فهنا في بلده تتضاعف احتمالات يأسه وموته من المرض الذي لا يجد سبيلاً لمعالجته «على حساب الدولة» التي تنحّت بدورها عن تأدية واجبها تجاه مرضاها. بلال ليس وحيداً في مرضه ومعاناته مع الجهات الرسميّة في لبنان، فثمّة كثر يعانون، ولكنّهم ليسوا قادرين على السفر للمعالجة في مستشفيات الخارج. لذلك جلّ ما يملكونه هنا التمسّك بإرادةٍ يكادون يفقدونها، ورواتبهم ومساعدات الجمعيّة اللبنانيّة للهيموفيليا التي تسعى لتأمين وحدات الدم للمصابين المنتمين إليها بناءً على اتّفاقاتٍ مع جمعيّاتٍ خارجيّة، واتّفاق جديد مع وزارة الصحّة العامّة.
في المؤتمر الأوّل للجمعيّة، أمس، حاول المنظّمون تسليط الضوء، في مناسبة اليوم العالمي للهيموفيليا، على المعاناة التي يعيشها 400 مصاب في لبنان، تشير إليهم الإحصاءات، وتعريف الآخرين من الرأي العام والدولة بالهيموفيليا وكيفيّة مساعدة المصابين به. لكن، على الرغم من ذلك، كان لا بدّ من أن تأخذ الدولة حصّتها من النقاش، الذي انحرف في نهاية المؤتمر، ليأخذ مساراً آخر لم يسلم منه «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». فالحاضرون، ومعظمهم من المصابين وعائلاتهم وجدوا في المناسبة فرصة لإفراغ ما يحملونه من لومٍ على الصندوق، وربّما تكون حالة والد الياس أبي خليل ما يبرّر هذا الكيل من الشتائم، الوالد الذي لا يكفيه راتب الـ500 ألف ليرة لشراء وحدات دمٍ، تبلغ كلفتها الشهريّة أكثر من 4 ملايين ليرة، لا يجد تالياً من الصندوق سوى المزيد من الرفض، رغم الوساطات السياسيّة التي ترافق طلبه في كلّ مرّة. وهو اليوم ينتظر من يساعد الياس ليعاود متابعته للدراسة التي أوقفها منذ أربعة أشهرٍ. وبعيداً عن مأساة الدولة والمواطن التي لا يمكن لها أن تنتهي، لا بدّ من تسليط الضوء على هذا المرض. وفي هذا الإطار، تلفت رئيسة الجمعيّة صولانج صقر إلى أنّه مرض وراثي، يعطّل وظيفة تخثّر الدم ويؤدّي إلى نزفٍ مستمرّ بسبب نقص عامل من عوامل التخثّر، مشيرة إلى أنّ عدم تأمين العلاج مباشرة عند حصول النزف وبالكمّية الضروريّة يؤدّي إلى عجزٍ وظيفي وإعاقة جسديّة...وموت مبكّر.
وتأسف صقر أن يبقى هذا المرض حكراً على من يعيشه فقط، عازية الأسباب إلى أنّه مرض غير معروفٍ كثيراً وغير منتشرٍ أيضاً، كما غيره من الأمراض. والسبب الآخر للأسف، هو أنّ المصابين ليسوا جميعاً ممن يتلقّون العلاج أو المساعدات من الجمعيّة، إذ إنّ 30% فقط من العدد العام الإجمالي في لبنان تضمّهم الجمعيّة. وبالعودة إلى إحصاءات الجمعيّة، ينتمي حالياً إلى برامجها 225 مصاباً، 126 منهم مصابون بالهيموفيليا، والعدد الباقي مصابون بأمراض تخثّر دم أخرى، على أنّ نصف المصابين (حوالى 53%) تتراوح أعمارهم بين 3 و18 عاماً. أمّا في ما يخصّ الجمعيّة، فإضافة إلى التوأمة مع الجمعيّة السويسريّة للهيموفيليا التي تعمل على تأمين معظم وحدات الدم، وقّعت الجمعيّة ووزارة الصحّة «اتفاقية الشراكة الشاملة لتطوير الرعاية» مع الاتّحاد العالمي للهيموفيليا تهدف من خلالها إلى تأليف لجنة وطنيّة للهيموفيليا وإنشاء سجلّ وطني للمصابين ووضع بروتوكول وطني للعلاج.