strong>7 جلسات نيابيّة للمناقشة العامّة في 15 سنة... والحلُّ في الأَدراج

ثمّة نواب اعتادوا أن تنقضي ولايتهم من دون أن يزوروا المجلس النيابي، نواب لم يقرأوا يوماً نظام المجلس الداخلي ولم يتعرف إليهم زملاؤهم في اللجان، نواب يتذمرون إذا طالت مدّة الجلسة. نواب وقوى سياسية لم يبالوا بغياب فعالية المجلس طوال 15 سنة، وها هم يعترضون فجأة على «تعطيل المجلس النيابي». أما الحريصون على دور المجلس فيجدونها فرصة لتعزيز الدور والوظيفة

غسان سعود
بسحر ساحر، ازداد حرص نواب الأكثريّة النيابيّة على دور المجلس النيابي، سواء في ما يتعلق بالتشريع أو بإمكان تحوله إلى ساحة للحوار المفترض، الأمر الذي يسر ويفاجئ النائب غسان مخيبر، وخصوصاً أنّه اختبر تجارب مرّة مع سكوت طويل للنواب على اختلاف انتماءاتهم أو لامبالاتهم حيال غياب فعالية المجلس النيابي واضطلاعهم بدورهم الرقابي المفترض في البرلمان ـــــ الإطار الدستوري الأول للحوار السياسي.
يبدأ مخيبر كلامه بإشهار جدول إحصائي يُبيِّن أن مجلس النواب عقد بين الأعوام 1992 و2006 (15 سنة) 135 جلسة فقط: 24 للانتخاب (هيئات مكتب المجلس، اللجان النيابيّة، أعضاء المجلس الوطني للإعلام، وأعضاء المجلس الدستوري)، 7 لطرح الثقة بالحكومة، 14 للموازنة، 67 للتشريع، 7 للمناقشة العامّة، 11 للأسئلة والاستجواب، 1 للتحقيق وإسقاط الحصانة، 2 للاتهام، و2 للاستماع إلى رئيس دولة أجنبية (شيراك وخاتمي).
وعلى أرقام الجدول يبني مخيبر مقدمته، مسجلاً ثلاث ملاحظات أساسيّة:
* أولاها، أن عدد جلسات المناقشة العامّة لكونها إطاراً مؤسساتياً أول لأداء المجلس لدوره في الحوار السياسي الهادف (7 في 15 سنة) قليل جداً. وكان أبرزها اثنتين، عام 2005، الأولى عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري أدت إلى استقالة الرئيس عمر كرامي، والثانية إثر طلب تكتل التغيير والإصلاح نقاش الأخطار الأمنيّة وتحديد المربعات التي تمنع أجهزة الدولة من دخولها.
* ثانيها، غرابة الاكتفاء بـ 11 جلسة للأسئلة والاستجوابات في 15 سنة، وهي الإطار المؤسساتي الأول لأداء المجلس لدوره الرقابي، منها 7 في العامين 2005 و 2006 عقب التزام الرئيس بري عقد مثل هذه الجلسات بانتظام.
* أما ثالثها، فيتعلق بعدم فعالية المناقشات السياسية التي تحصل في إطار كل من جلسات الموازنة (14 جلسة في 15 سنة) ، وجلسات الثقة (7 في 15 سنة) و الأوراق الواردة في مستهل الجلسات التشريعية، التي تطغى عليها فوضويّة طرح النواب لقضاياهم في نقاشات هي أشبه بفشّة خلق يقول خلالها النواب ما يعجزون عن قوله في مناسبات أخرى.
ويرى مخيبر أن هذا العدد المتدني جداً من الجلسات الرقابية وجلسات المناقشة العامة ليس بريئاً، ووظيفته السياسية الحقيقية حماية مجلس الوزراء من الانتقاد والمعارضة الجدية والفاعلة، وتعزيز حصريّة مجلس الوزراء في أداء وظيفتي الحوار واتخاذ القرار السياسي.
ومن التقويم الرقمي/ العددي لعمل المجلس خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ينتقل مخيبر إلى سجال اليوم، فيؤكد أنه كان دائماً من المعترضين على غياب فعالية المجلس في وظيفته الرقابية وفي وظيفته إطاراً اول للحوار الوطني. وهذا الاعتراض يسري على التعطيل الجزئي السابق كما على التعطيل الكامل اليوم، مؤكداً أن فعالية المجلس حالياً صفر على عشرين، لكنها لم تكن قبل هذه الأزمة أكثر من واحد على عشرين. موضحاً اعتراضه على الصفر وعلى الواحد، ورفضه التعطيل الحاصل اليوم لكونه جزءاً من انسجامه مع نفسه في رفض التعطيل المستمر منذ 15 سنة.
ويقترح النائب مخيبر مقاربتين قد تفيدان للخروج من المأزق السياسي والدستوري الحالي:
الأولى: تفعيل دور اللجان النيابية، وخاصة لجنة الإدارة والعدل، على أن تكون الأولوية لمناقشة في مشروع قانون الانتخابات، وخاصة لجهة الإصلاحات المختلفة الواردة في مسودة اللجنة التي ترأسها الوزير السابق بطرسالثاني: تفعيل عمل الهيئة العامة لكونها إطاراً أول للحوار الوطني من خلال زيادة جلسات المناقشة السياسيّة العامّة في غياب الحكومة والوزراء، وبناءً على التجربة المماثلة التي خاضها المجلس في مواجهة الحصار الإسرائيلي بعد وقف الأعمال العسكرية في حرب تموز. ويرى مخيبر أن مثل هذه الجلسات تنفع في أن تكون مخرجاً للأكثرية التي تريد فتح القاعة العامة لتشرّع ما يخفف عنها الضغوط الشعبيّة نتيجة التردّي الاقتصادي، وللأقليّة التي ترفض الاعتراف بشرعيّة الحكومة، ولا يحق لوزرائها شغل المواقع المخصصة لهم في المجلس. ويرى مخيبر أن الوقت مناسب، في ظل مزايدة المعارضة والموالاة في إبداء الحرص على دور المجلس النيابي، لتقديم رؤية إصلاحيّة للمجلس النيابي يُضغط على النواب لقبولها على أساس اقتراح قانون لتطوير النظام الداخلي لمجلس النواب في وظائفه الرقابية، الذي كان قد تقدم به إلى مجلس النواب قبل عامين بتاريخ 27 نيسان 2006.
ويؤكد النائب المتني أن ضرورة تفعيل العمل الرقابيّ للنواب ولمجلس النواب من الوظائف التي تمَّ تجاهلها بشكل كبير منذ 1992 نتيجة أداء النواب الذين يحتّجون اليوم على ما يسمونه «تعطيل المجلس النيابي»، واضعاً «تطوير نظام المناقشات العامّة» في مقدم الأولويّات لتفعيل دور المجلس لكونه مؤسسة دستوريّة متخصصة بالحوار الوطني في شأن كل القضايا ذات الاهتمام السياسي.
ولتحقيق هذه الأولوية، يطالب مخيبر بتكثيف وتيرة جلسات المناقشة العامّة، وجعلها دوريّة رغم تذمر معظم النواب الحاليين من أن يؤثر ذلك على فعالية الوزراء ومجلس الوزراء بسبب اضطرارهم للحضور إلى مجلس النواب، داعياً إلى توسيع مدّة انعقاد البرلمان، والاستعاضة عن نظام الدورات بدورة واحدة مع تحديد عطلة في الصيف. ووسط انهماك النائب المتني في تقصِّي تفاصيل التجارب البرلمانيّة حول العالم، يسانده أحد مساعديه، في كلامه عن تكثيف وتيرة جلسات المناقشة، بمقتطفات من التجربة الفرنسية حيث يدعو الدستور إلى وجوب انعقاد البرلمان في جلسات أسئلة أسبوعيّة. كما ينص النظام الداخلي للجمعيّة الوطنيّة (المادة 50) على عقد جلسات أيام الثلاثاء من الساعة 9:30 صباحاً إلى الأولى فجراً (تتخللها بضع ساعات استراحة). فيما تعقد يومي الأربعاء والخميس جلستان، بعد الظهر ومساء، إضافة إلى جلسات اللجان يوم الأربعاء صباحاً.
أما في لبنان، فليس ثمة في النظام الداخلي تحديد زمني لانعقاد جلسات الأسئلة والاستجوابات أو لانعقاد الهيئة العامّة لمجلس النواب. إذ بقيت ضمن التزام الدعوة الأسبوعيّة الذي أعلنه الرئيس بري خلال جلسة انتخابه عام 2005.
لهذه الأسباب، يقترح مخيبر في اقتراح القانون الذي أعدّه تخصيص جلسة أسبوعية للمناقشة العامّة في أعمال الحكومة وسياساتها أو إحدى الوزارات أو إحدى المؤسسات العامّة، بغية إحياء دور المجلس على صعيد التداول في شؤون متخصصة وطرح الأسئلة دون الاضطرار لطرح الثقة، مشيراً إلى ضرورة أن يملك النواب فرصة تحويل السؤال إلى استجواب لوزير إذا لم تكفهم المناقشة، وهكذا يمكن أن تنزع الثقة من الوزير وحده لا من الحكومة، الأمر الذي يعزز المنافسة بدل تقييدها بتحفظ الغالبية دوماً عن سحب الثقة من الحكومة (أو يتحول طرح الثقة إلى مناسبة حكومية للحصول على بعض الأوكسجين). ويشرح نائب المتن أن مثل هذه الجلسات تسمح بنقاش عام رسمي ومتلفز لموضوع محدد.
يضاف إلى أولويّة مخيبر هذه، مطالب نيابية أخرى تدعو إلى تعديل النظام الحالي للمجلس الذي يسمح بتأخير الأسئلة أو الاستجوابات المحرجة للحكومة، وخصوصاً أن رئيس المجلس يضع الأسئلة التي قد تحرج الحكومة في آخر جدول الأعمال بحيث تنتهي جلسة الأسئلة دون نقاشها (ملف الكسّارات مثلاً)، أو لا يضعها على جدول الأعمال (مثل السؤال الموجه إلى الحكومة حول المفقودين خلال الحرب). فضلاً عن تطوير الشفافيّة في أعمال الهيئة العامّة واللجان وآليات التصويت وطرح الأسئلة الخطيّة والشفهيّة والاستجوابات وطرح الثقة. مطالب كثيرة وردت في اقتراح قانون مخيبر يبدو في خلاصتها أن تفعيل دور المجلس، وخاصة على صعيد الحوار بين مختلف الكتل النيابيّة، يقلل من أهميّة الحكومة والنزاع على نسبة تمثل كل طرف فيها. علماً بأن معظم النقاط التي يثيرها مخيبر منذ أعوام كانت تقابل برد فعل سلبي بين نواب في الأكثريّة والمعارضة على السواء، على اعتبار أنّها تعرقل عمل الحكومة.


ديموقراطيّة وعقاب
- عوقب تكتل التغيير والإصلاح على عدم انتخابه نبيه بري رئيساً للمجلس بحرمانه التمثّل في مكتب المجلس الذي يؤدي دوراً مهماً في إدارة البرلمان وتحديد أعمال الجلسات.
- يرى النائب غسان مخيبر أن من غير الكافي لإقامة نظام ديموقراطي، إجراء انتخابات دوريّة، حرّة ونزيهة، إذ تفترض الديموقراطية أن يتمكن النواب المنتخبون من حسن تأدية مهامهم الرقابيّة والتشريعيّة على نحو فعّال وسليم.
ويشير النظام الداخلي لمجلس النوّاب في الفصل العاشر، المادة 61، إلى عدم جواز تغيّب النائب عن أكثر من جلستين في أية دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية إلا بعذر مشروع مسبق يسجل في قلم المجلس. وتقول المادة 62 بضرورة أن يقدم النائب طلباً إلى قلم المجلس يبيّن فيه أسباب التغيب ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها، وفي حال اضطرار النائب للتغيب بغير مهمة رسمية وبصورة مستمرة عن أكثر من جلسة واحدة عليه أن يقدم طلباً إلى قلم المجلس يبيّن فيه أسباب التغيب ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها.