نادر فوزوصلت جرّافات الدولة إلى حالات، نزلت إلى الأرض، حفرت، وسّعت حفريّاتها، ولم تكتشف بقايا بشرية. لم تنته آثار الحرب الأهلية ولم تكشف المصالحات التي تمّت، بدءاً من مصالحة أنطلياس عام 1992 التي جمعت الحزب الشيوعي والقوات اللبنانية حتى لقاء «المصالحة والمصارحة» الأخير، النقاب عن الرواية الكاملة لنتائج الحروب الصغيرة. خرجت حفريات حالات، كأي مأساة إنسانية تسيّس، بنتائج إيجابية لبعض الأطراف وسلبية لأخرى، والأهم، بحسب شخصية قواتية، أن التيّار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية «نالا الجزء الأكبر من تشويه السمعة»، إذ إنّ الأول يتحمّل مسؤولية الحفريات لكونه تبنّى الدعوة لإجرائها، فيما الثاني شكّلت عمليات الحفر حفراً لتاريخه وأدائه أيام الحرب الأهلية، مع العلم بأنه حتى اليوم ليس من دليل علمي وعملي يدين القوات بجريمة حرب أو مقبرة جماعية.
أما أحد مسؤولي التيّار فتساءل عن عمليات الحفر والردم والبناء التي جرت في «حالات سور مير» القريبة جداً من موقع الحفريات الأخيرة، إضافةً إلى «السرعة والاهتمام الكبيرين لبلدية حالات، المحسوبة تماماً على الموالاة، ووجود عدد من القواتيين في الموقع»، ليضيف أنّ تحميل عون المسؤولية يندرج ضمن «خطة مركزة ومعدّة لضرب هيبته ومشروعه». ويضيف المسؤول أنّ التطور الأخير من أسبابه «انجرار عون السريع وراء خبر صحافي دون التأكد من صحته، إضافةً إلى افتقار محيطه لفريق دراسات رصين يدرس خطواته».
من جهته، يؤكد عضو كتلة التغيير والإصلاح النائب عباس هاشم أنّ التيّار لم يكن وراء حفريات حالات، «بل هو محرك نتيجة مقال في إحدى الصحف»، مشيراً إلى أنّ التكتّل تطرّق إلى القضية خلال اجتماعه الأخير «ولذكرى 13 نسيان، طرحنا، ومن باب إنساني، ضرورة إنهاء قضية المفقودين وكل ما يتعلّق بالحرب». ويلفت هاشم إلى الحملة الإعلامية والسياسية التي حمّلت التيّار مسؤولية إطلاق صرخة حالات، فـ«تحوّل الموضوع إلى هجوم مركّز ومدروس على العماد ميشال عون»، ليشدّد على أن «عدم اكتشاف بقايا بشرية لا يعطي براءة ذمّة للمجرمين».
وانطلاقاً من البعد الإنساني، يعدّد هاشم ملاحظات على عملية الحفر: غياب الشاهد الأساسي، غياب الأدلة الجنائية والوحدات المختصة بهذه الشؤون.
أما الدكتور فارس سعيد، فيضع حفريات حالات في سياق «ثقافة فتح ملفات الحرب بغية تبييض صورة البعض وتسويد صفحات الآخرين»، مشدداً على أنّ كل خطوة انفتاح يقوم بها فريق المولاة تقابلها خطوة تعيد نكء الجروح. وعن المستفيد يؤكد أنّ «نكء جروح الحرب الأهلية لا يخدم أحداً، والسير بهذا الموضوع يتطلّب سياقاً سياسياً ـــــ أخلاقياً ـــــ اجتماعياً عاماً».
وانطلاقاً من أنّ ملفات الحرب تسيء إلى الجميع، يقول المسؤول الأكثري إنّ الخطوة جاءت نتيجة سوء إدارة وتخطيط من التيّار فانقلب الأمر عليه، مؤكداً أنّ الجميع خسر جراء الأمر، و«حالتي الانتخابية لا تزال كما هي منذ عام 2005، ووضعي السياسي مرتبط بتوجّه 14 آذار» مؤكداً عدم استفادته أو سعيه للاستفادة من هذه الحادثة.
خسر الطرفان المسيحيان الأقوى، ما يطرح تساؤلات عن المستفيد. فـ«من حفر حفرةً لأخيه، وقع هو وأخوه فيها»، بحسب أحد المتابعين.