strong>عون في «عين عاصفة» الموالاة وجعجع يرى أنّ «المقابر» تستهدف القوّات
... وكأن ما فوق الأرض لم يعد كافياً، فانتقل السجال إلى ما تحتها، فيما قوات العدو تخترق حدود الأرض والمياه والسماء، ولا من يرى ويسمع، مع بروز خطر جديد بعودة اليمين الإيطالي إلى الحكم وتلويحه بتغيير «دور» اليونيفيل

بينما تقف «وساطة» رئيس مجلس النواب نبيه بري، العربية، في غرفة انتظار الموعد السعودي، ويتفرغ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للاتصالات الهاتفية، قبل وخلال وبعد أي جولة خارجية له أو لغيره، يبدو أن الخرق الوحيد المتوقع على الساحة المحلية لن يكون إلا إسرائيلياً.
فبعد سلسلة الخروق البرية والجوية والبحرية، ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام»، أن القوات الإسرائيلية عملت أمس على صيانة السياج الشائك والبوابة الحديدية في نقطة تعرف بـ«الثغرة» تشرف على مدخل بلدة العديسة، حيث يقيم الجيش اللبناني حاجزاً ثابتاً.
ولفت بيان للعلاقات الإعلامية في حزب الله، إلى اتساع دائرة الانتهاكات الإسرائيلية يوماً بعد يوم، مؤكداً أن ذلك «إمعان إسرائيلي في انتهاك القرار 1701 أمام مرأى العالم والقوات الدولية»، و«دون أن يرتدع العدو أو أن تتخذ بحقه إجراءات كفيلة بمنع تكرار اعتداءاته». وتساءل «عن موقف مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، ومواقف الفريق الحاكم في لبنان، إزاء التمادي الإسرائيلي، ولا سيما أن لدى اللبنانيين، والجنوبيين خصوصاً، خشية من مشروع إسرائيلي لإحداث تغييرات جغرافية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة بتواطؤ أو سكوت من بعض الجهات، الأمر الذي يطرح ضرورة اتخاذ موقف ثابت وقوي في مواجهة الاعتداء الإسرائيلي الخطير الذي يهدد سيادة لبنان».
كما برز أمس تطور جديد، من شأنه تغيير قواعد اللعبة في الجنوب، حيث أعلن رئيس الحكومة الإيطالية العتيد، سيلفيو برلسكوني، أنه سيعيد النظر في قواعد الاشتباك التي تحكم عمل قوات بلاده المشاركة في «اليونيفيل». حيث نقلت عنه وكالة «آكي» الإيطالية أن الجنود الإيطاليين في لبنان «لا يسعهم الرد بالمثل في أوضاع محددة، لذا سندرس قواعد اشتباكهم بتأنّ وإمعان، نظراً إلى الحالة الخاصة التي يعيشونها».
وقد اتصل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ببرلسكوني مهنّئاً بفوزه في الانتخابات. ونقل مكتبه الإعلامي عن الأخير تأكيده «استمرار إيطاليا في سياستها تجاه لبنان، ودعمها لاستقلاله».

سجالات على خط الموالاة ـ الرابية

أما داخلياً، فمع تواصل المناوشات على جبهة مبادرة بري الحوارية، عنف القصف على جبهة الموالاة ــــ الرابية، فانتقد النائب ميشال عون «الخفة وعدم الجدية في أعمال الحفر، بحثاً عما تردد عن وجود مقبرة جماعية في حالات»، موضحاً أن الإضاءة على موضوع المقابر لم يكن الهدف منها «معرفة الفاعلين والمرتكبين، لأنهم معروفون من الجميع ومنذ زمن بعيد، بل كان هدفاً إنسانياً واجتماعياً بحتاً، وهو إنهاء هذا الملف الذي يعني ذوي آلاف المفقودين والمغيّبين قسراً منذ بداية الحرب»، الذين «ينطبق عليهم المثل القائل: لا معلّق ولا مطلّق». وبعدما هاجم الذين «يلتفون على ما يريدون التعليق عليه، ليصوّبوا على ما لم يطرح»، قال: «إن واجب أي مسؤول المطالبة بحقوق الناس الذين ائتُمن على تمثيلهم، وحبذا لو يضم أصواتهم إلينا جميع الذين يحسّون بأن حملاً ثقيلاً سيبقى على كواهلهم كلما بقيت الحقائق مطمورة تحت التراب، للمطالبة بإنهاء كل الملفات العالقة، ولا سيما منها ذات الطابع الإنساني، لعلّ ذلك يكون كفارة عن بعض خطاياهم».
وقال رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، أمام وفد من الكورة، إن مسألة المقابر الجماعية تستهدف القوات «ولا مسلة تحت إبطنا. ولا أحد يستطيع أن يشير بأصابع الاتهام إلينا في مسألة المقابر الجماعية، لا من قريب ولا من بعيد». وشبّه وضعية القوات «اليوم، بالجسم الكبير، وبجانبه كائنات صغيرة تحاول أن تعوق حركته، ولكنها لن تفلح». وقال إن المقابر «إذا وجدت، فهي في «ضهر الوحش»، ومعروف من مسؤول عنها. كما وجدت في عنجر، أي عند حلفائهم في الوقت الحاضر». وكانت القوات في البترون قد ردت في بيان، دعت فيه إلى البحث عن المقابر «في مناطق الوجود السابقة للمخابرات السورية».
وذكرت «جمعية أرز الشوف»، أن ما أعلنه عون عن بيع أراض داخل المحمية «عار من الصحة تماماً، ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، ويمكن وصفه بأنه يدخل في سياق تجاذبات سياسية لا علاقة للبيئة والطبيعة والمحمية بها، من قريب أو بعيد»، مضيفة: «لطالما كانت تعليمات رئيس الجمعية وليد جنبلاط واضحة لناحية التطبيق الصارم لكل الشروط القانونية، وهو معروف بدوره البيئي في كل لبنان، وليس فقط في المحمية أو في الشوف».
ورداً على ردّه على عون، اتهمت لجنة الإعلام في التيار الوطني الحر، النائب بطرس حرب، بـ«تزوير الشواهد التاريخية والتضليل في سردها». ولفتت إلى أن عون أوّل من دعا إلى الحوار، «وذلك قبل عودته من المنفى، حين كان النائب المذكور ما زال يمنّي النفس بدعم سوري يوصله إلى الرئاسة». ورفضت اتهام عون بتعطيل الانتخاب الرئاسي، قائلة إن اشتراطه السلة المتكاملة هو لـ«يحفظ للبنانيين والمسيحيين بعضاً من حقوقهم التي أهدرها هو وزملاؤه في الطائف، والتي أكمل عليها أصدقاؤه وحلفاؤه في الموالاة الحالية».
وكان عون قد التقى، أمس، وفد «وكالة الشرق الجديد»، برئاسة النائب السابق ناصر قنديل، الذي تحدث عن «قرار أميركي بغطاء عربي لإبقاء لبنان في الفراغ وتكريس الدولة لحكومة فؤاد السنيورة». واستبعد تحديد موعد سعودي لبرّي. كما وصف عملية الحفر في حالات بـ«المسرحية الهزلية»، وقال: «إن معراب وكليمنصو يمثّلان العنوان الصالح لمعرفة لائحة كل المفقودين والضحايا والمقابر الجماعية».
كذلك التقى عون زوجات الضباط الأربعة، وتحدثت سمر الحاج بعد اللقاء، عن خفض وقت الزيارات للموقوفين إلى ربع ساعة، وإلغاء الاتصالات الأسبوعية بينهم وبين امهاتهم بـ«قرار من فرع المعلومات»، سائلة عما «إذا كان فرع المعلومات قد حلّ محل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والقضاء... لكي نعرف إلى من نتوجه؟».

شيباني في عين التينة وازدحام عند كرامي

وفي اللقاءات أمس أيضاً، استقبل بري السفير الإيراني محمد رضا شيباني، الذي لم يشأ الإدلاء بأي تصريح بعد اجتماع دام ساعة ونصف الساعة.
وازدحم منزل الرئيس عمر كرامي في بيروت، بالزوار أمس، حيث التقى أولاً وفداً من التيار الوطني، ضم اللواء عصام أبو جمرة وأنطوان الخوري حرب. وتمنى أبو جمرة من الآن حتى موعد الانتخابات الأميركية، أن «يحصل تغيير في الخارج والداخل»، متسائلاً: «كيف تفكّر ثورة الأرز وتجمّع البريستول بالديموقراطية والسيادة، عندما يتلقّيان منذ مدة حتى اليوم، التوجهات الأميركية؟». وقال إن ما تريده الإدارة الأميركية هو: التوطين والصلح مع إسرائيل وملاحقة سلاح حزب الله وجمعه. وطالب بإحضار الشاهد على مقبرة حالات «من قطر»، فـ«إما أن يثبت شهادته أو يدفع ثمنها».
ثم التقى النائب علي حسن خليل موفداً من بري لوضعه في أجواء جولته العربية. ووصف كرامي الوضع بأنه «غير مريح، ولكن المعارضة ستبذل جهدها من أجل إنهاء هذه الأزمة بالطريقة التي لا يموت فيها الديب ولا يفنى الغنم»، مؤكداً معارضة التمديد للمجلس ولقانون الألفين، مع إعلان الانفتاح «على كل طرح»، ومضيفاً: «حتى الآن، الموالاة لم تقل ماذا تريد. قالوا قانون الستين ثم تراجعوا، ولم يقولوا لماذا. نحن بالانتظار، وهذا لا يكون إلا بالحوار. إن مرشحنا إلى الرئاسة لا يزال العماد ميشال سليمان، وحاضرون للانتخاب، ولكن وفق سلّة متكاملة».
وقال خليل إن الرأي «كان متفقاً على خطورة المرحلة وصعوبتها ودقتها، وخصوصاً مع المواقف الرافضة للحوار، التي لا تقدم البديل للبنانيين إلا المزيد من قطع الأمل أمامهم»، واتهم الموالاة بتضييع الوقت «لإمرار مشروعها الخلفي»، وهو إبقاء الوضع الراهن، «وصولاً إلى مرحلة الانتخابات النيابية لتحصل وفق قانون 2000». وذكر أن عدم تحديد موعد لبرّي لزيارة السعودية «لا يؤخّر متابعة اللقاءات والاتصالات التي تخدم الدعوة الحوارية التي أطلقها، والتي ما زال مصراً على إمكان أن تحصل قبل 22 نيسان».
كذلك استقبل كرامي، القائم بالأعمال الألماني، هانس يورغ هابر، الوزيرة السابقة وفاء الضيقة حمزة، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود، وفداً من جبهة العمل الإسلامي ورئيس تيار التوحيد وئام وهاب الذي اتهم «الدول التي لم تحدد مواعيد بعد للرئيس بري»، بأنها «تبدو ملتزمة الموقف الأميركي غير المشجّع على الحوار». وأكد أن المعارضة «لن تقبل بقانون الألفين، حتى لو عُطّلت الانتخابات». وقال إن زهير الصدّيق يمكن أن يكون «في بيروت أو في الرياض». وغازل النائب وليد جنبلاط، بالقول: «قد يكون رغم كل طلعاته ونزلاته هو الأعقل، ولا أعرف لماذا ما زال معهم. ففي رأيي، إنه قادر على أن يلعب دوراً أكبر من ذلك»، مرحّباً به في المعارضة: «إذا أتى فأهلاً وسهلاً، فكل المقاعد له».
في المواقف، أعربت كتلة الوفاء للمقاومة، إثر اجتماعها أمس، عن ريبتها من «الدور الفرنسي في إخفاء المدعو الصدّيق، والغموض الذي يلف مصيره»، متسائلة عن «صدقية الالتزام الدولي بكشف الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الحريري»، وعن «علاقة الإخفاء أو الاختفاء بتمديد الاعتقال التعسّفي للضباط الأربعة». وأعلنت أن أولوية المعارضة «هي في تنفيذ السلة المتكاملة لبنود المبادرة العربية دون إبطاء». وحمّلت «الدور التعطيلي للحلول الذي تمارسه الإدارة الأميركية»، مسؤولية تحويل لبنان «ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية»، قائلة إن «استمرار تحريض فريق السلطة على سوريا، هو أمر عمليات أميركي»، وإن تغطيته «لخطيئة مقاطعته القمة العربية في دمشق عبر اللهاث لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب بشأن لبنان، والقيام بجولة تحريضية ضد سوريا في المنطقة، هما مهمة أميركية موصوفة».
ومن السرايا الحكومية، نبّه الرئيس أمين الجميل إلى أن البلد «يعيش مرحلة من الاهتراء خطيرة جداً جداً، وانعكاساتها خطيرة جداً على مستقبل البلد والكيان والمؤسسات»، داعياً إلى تنظيم «المقاومة السياسية». واتهم المعارضة بأنها تعمل من خارج منطق المؤسسات والدستور والميثاق، وأن عون يموّه على سياستها عبر طرحه «كل يوم مواضيع جديدة»، واضعاً في هذا الإطار «نبش القبور والتوطين». وتحدث عن مشروع «ذي أبعاد تتجاوز الحدود اللبنانية، ويريد أن يربط لبنان باستراتيجية لا علاقة لنا بها». وأعلن التصميم على مواجهته، «ولسنا وحدنا». وكشف عن «تواصل مع مجموعة من القوى المعارضة، لربما نستطيع التوصل إلى قواسم مشتركة، وننتخب رئيساً بأسرع وقت ممكن»، متمنياً أن تنتشر خطوة النائب ميشال المر «كبقعة الزيت».
وأيضاً من السرايا، رأى النائب حرب أن لبنان في خطر «ما دام اللبنانيون يلهون في نبش قبور الماضي وخلافاتهم السابقة». وإذ أكد أن «من غير الجائز أن يبقى مصير لبناني واحد مجهولاً»، رفض «أن تصبح المقابر ميداناً للتسابق والتنافس بين القوى السياسية»، داعياً إلى «أن نترك للقضاء أن يتولى عملية نبش الماضي والبحث عن مصير الناس، فيما نحن نحاول حل مشاكل الناس». وطالب بأولوية انتخاب رئيس، «ومن ثم الدخول في حوار عقلاني حول كل القضايا الأخرى».
ومن دار الفتوى، قال سفير الكويت، عبد العال القناعي، إن «الآمال كلها معقودة على انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت»، معرباً عن اعتقاده بأن الأمور، لبنانياً وعربياً، «لا تسمح بتأجيلات أخرى». فيما رأى المفتي محمد رشيد قباني أن الأزمة «المستفحلة، باتت تمثّل خطراً على الكيان والصيغة ومصير لبنان»، وأن آثارها السلبية تنعكس على المنطقة كلها.

الصفدي: نحن في صلب 14 آذار

دبلوماسياً أيضاً، زارت القائمة بالأعمال الأميركية، ميشال سيسون، الوزيرين مروان حمادة ومحمد الصفدي، وقال الأخير إن «الفراغ في رئاسة الجمهورية مسيء إلى لبنان، ونحن نريد ملأه بأسرع وقت، وبالتفاهم بين اللبنانيين، وباتفاق لبناني ــــ لبناني». وأكد «أن التكتل الطرابلسي كان ولا يزال في صلب حركة 14 آذار، على الرغم من تباين الآراء والمواقف أحياناً مع شركائنا».
إلى ذلك، رأى النائب هادي حبيش في ما يطرحه بري «ضرباً للمؤسسات الدستورية، والتفافاً على المبادرة العربية التي قالت بانتخاب الرئيس ثم تأليف حكومة وحدة وطنية والاتفاق على قانون انتخاب». وهاجم النائب أكرم شهيّب من سمّاهم «فريق: شكراً سوريا»، لأنهم لم يعلّقوا على زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية لقطر.
والتقى النائب مصباح الأحدب وفداً من «الانتماء اللبناني»، برئاسة أحمد الأسعد، مشيراً إلى أنه «تيار سياسي يمثّل شريحة كبيرة»، ورحّب «بشاب لبناني نتقاسم معه الرؤية المستقبلية لبناء البلد»، قائلاً «إن القسمة في لبنان ليست قسمة سنّية شيعية، بل هي بين لبناني وغير لبناني». وتمنّى «أن نصل إلى انتخاب العماد سليمان بالتوافق، ولكن لا تنازل عن حقّنا الأساسي إذا تعذّر ذلك».
من جهة ثانية، عقد لقاء الوثيقة والدستور، مؤتمراً صحافياً رأى فيه أن تطبيق اتفاق الطائف هو الحل المرحلي الحتمي لإنقاذ عقد الوحدة الوطنية»، وأكد «أن خلاص لبنان هو في يد اللبنانيين أوّلاً»، داعياً إياهم إلى أن «يطبّقوا دستورهم، وأن ينفّذوا اتفاقاتهم»ز