strong>شُغلت وسائل الإعلام بـ«اختفاء» الشاهد والمشتبه فيه بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري محمد زهير الصديق. وقيل إنه غادر فرنسا، لكن هل يمكن أن يكون قد أخفى نفسه فيها كما يرجّح مسؤول أمني فرنسي سابق؟
باريس ـــ نضال حمادة
«لا يوجد بلد أوروبي واحد على استعداد لتحمُّل تبعات وجود رجل مثل محمد زهير الصديق على أراضيه» قال مسؤول أمني فرنسي سابق التقته «الأخبار» في باريس أخيراً بحثاً عن معلومات تدلّ على مصير مشتبه فيه وشاهد في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ورجّح المسؤول السابق المتابع للتطوّرات الأمنية والسياسية عن قرب نظراً لخبرته في العمل الأمني، أن الصديق لم يغادر فرنسا، وقال: «بعد رفض فرنسا تسليمه للبنان بناءً على مذكرتي توقيف دوليتين، أصبح الصدّيق بالمعنى الأمني تحت حماية السلطات الفرنسية ورعايتها»، فيما كان قد أُعلن عبر وسائل الإعلام منذ أكثر من أسبوع أنه «اختفى». وتفاوتت الأنباء عن وجهته فذكر البعض أنه انتقل إلى السعودية، بينما قال البعض الآخر إنه سافر إلى سويسرا، ونشرت إحدى الصحف الخليجية أن الصديق اتّصل بمكاتبها. لكن لم تتأكّد أي من هذه المعلومات، ورغم تصريحات وردت على لسان رسميين فرنسيين أشاروا فيها إلى مغادرة الصدّيق الأراضي الفرنسية، لم تبرز أية دلائل مقنعة تثبت صحّة ذلك أو عدمه. وكلّ ما يمكن تأكيده هو أن الرجل بعيد عن الأنظار منذ أسبوعين، أي إنه «اختفى».
عن أسباب «الاختفاء»، رجّح المسؤول الأمني الفرنسي السابق أنها تتمحور حول «خلاف قديم جديد بين الصدّيق، والجهة التي يعنيها أمر المحكمة، وهو خلاف على الوعود التي تلقاها الصدّيق، والتي دخل المعمعة على أساسها، وهي حصوله على مبالغ مالية ضخمة». وروى أن الصدّيق «لم يحصل على أي مبلغ معتبَر، حيث ظل الرجل وعائلته يعيشون على قليل من المال لا يكاد يلبّي احتياجاتهم الشهرية». وأشار إلى حادثة وقعت في ربيع عام 2006، حيث اتصل الصدّيق بمجموعة من الصحفيين العرب، وأبلغهم أنه سيعقد مؤتمراً صحفياً، في أحد المطاعم اللبنانية في باريس، وأنه سيتحدّث عن أمور تتعلق بمواقفه السابقة وشهادته أمام لجنة التحقيق الدولية. والكل يعلم أن المؤتمر الصحفي لم يحصل، لأن هناك من أوقف تحرك الصديق». وهنا يسأل المصدر مرة أخرى: «ما هي الأمور التي أراد الصدّيق إيضاحها، والمتعلقة بمواقفه وشهادته؟» ويجيب: «لا شك أن عدم التزام الطرف الممول بوعوده المليونية، جعل الصديق يوجه إنذاراً لتلك الجهة على طريقته الاستعراضية المعروفة». متابعاً: «لقد وُعد بالملايين في حسابات مصرفية، ولم يحصل إلا على مصروف شهري زهيد لأن الجهة التي وعدته بالمال تعلم أن أي مبلغ ضخم تضعه على حساب يخصّ الصديق سينسف المحكمة من أساسها إذا كُشف عنه». وتابع المصدر الفرنسي: «يعلم الصديق أنه فور تقديم شهادته أمام المحكمة سينتهي مفعول أهميته بالنسبة إلى الآخرين، لذلك كان يعيش في حال من القلق، وكلما أقترب موعد المحاكمة شعر بالخطر يقترب منه، وأن دوره يتلاشى، فضلاً عن عدم ثقة الآخر به، وذلك يعود إلى صعوبة ضبط تصرفاته. كل هذه العوامل توجب من البديهي أمنياً، تغييراً في التعامل معه، وهذا ما يجعلني أعتقد أن الرجل لن يظهر إلا قبيل موعد شهادته أمام المحكمة بساعات».
ولدى سؤاله عمّا إذا كان الصديق يحمل تأشيرة دخول «شنغن» على جواز سفره تخوّله التنقل داخل أوروبا حتى ينتقل من فرنسا إلى دولة أوروبية أخرى، ردّ المسؤول الفرنسي الأمني السابق بالقول: «إن خروج زهير الصدّيق من فرنسا يعني شيئاً واحداً في القاموس الأمني والسياسي، هو أن الرجل أصبح خارج أية مظلة أمنية تحميه». وتابع قائلاً: «إن الكلام على بلدان أوروبية تحتضن هذا الشخص يعني أن حكومة البلد معرضة، في حال الكشف عن وجوده داخل أراضيها، لأزمات داخلية سياسية واجتماعية على غرار ما واجهته السلطات الفرنسية مع سكان الحي الذي كان الصدّيق يسكنه في إحدى ضواحي باريس».
وعلمت «الأخبار» في هذا السياق أن أهالي الحي الذي كان يسكنه زهير الصدّيق في ضاحية شاتو الباريسية قبل اختفائه، كانوا قد تقدموا بعريضة إلى مختار المحلة، يطلبون فيها نقله من بلدتهم، لأن وجوده يسبِّب خطراً أمنياً عليهم، ويبدو أن تمركز الشرطة الدائم في المنطقة كان قد أثار ريبتهم. وكان من تبعات هذه العريضة، أن أولاد الصدّيق لم يتمكنوا من متابعة الدراسة في المدرسة المخصصة لأهالي الأحياء المجاورة. وتشير المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» أن الصدّيق حاول التواصل مع نائب الرئيس السوري سابقاً عبد الحليم خدّام الموجود في باريس بعد فراره من سوريا، غير أن هذا الأخير رفض التواصل معه.
بالعودة إلى المسؤول الأمني السابق، فقد استغرب المعلومات التي أفصحت عن خروج الصدّيق من الأراضي الفرنسية قائلاً: «الخروج يعني أنه ذهب بملء إرادته، وبكل احترام مستخدماً أحد المعابر الفرنسية، جواً أو براً أو بحراً، وهذا يعني أن من يتولى أمر الحدود يعرف أية وجهة سفر أخذها الصدّيق. فلماذا لا يفيدنا القيّمون على الأمر، عن البلد الذي توجه إليه؟»، مذكراً أن الصديق شاهد ومشتبه فيه أمام لجنة تحقيق دولية تأسست بقرار من مجلس الأمن في قضية اغتيال رئيس وزراء سابق، وأن «اختفاءه» الفعلي المفترض يطرح أكثر من علامة استفهام في أعلى المستويات، «وخصوصاً، أن الأنباء عن عدم صدقية أقواله أصبحت معروفة للخاص وللعام».