مفيد مصطفى«أصبحتُ أضبط حجابي جيداً في البيت لأنني أخاف إذا فعلتُ ذلك في المدرسة أن يراني من يراقب الكاميرات»، تقول مريم، التلميذة في ثانوية القرعون الرسمية بغضب. وكانت إدارة المدرسة قد وضعت كاميرات داخل الصفوف، وفي الملعب وفي الخارج وعلى مداخل الحمامات لضبط تصرفات تلامذتها. وإذا كان هناك شبه إجماع على رفض الكاميرات التي تراقب مداخل الحمامات، وخصوصاً لدى الإناث، فإن النظرة إلى الكاميرات الموضوعة داخل الصفوف تبدو متفاوتة. ويرى التلامذة أنها تحجز حريتهم وحرية الأستاذ، فيشعر محمد بأنّه مكبل طوال الوقت، ويحسب ألف حساب لكل حركة يقوم بها. من جهتها، تعلّق نورما: «إذا كانوا لا يثقون بنا، فمن غير اللائق أن لا يثقوا بالأستاذ». أما حسام، فينظر إلى الكاميرات من الناحية الاقتصادية: «كان بإمكان الإدارة أن تشتري المازوت للتدفئة في الشتاء بثمن الكاميرات». هنا تقاطعه إحدى زميلاته لتشرح: «معك حق، أمضينا أياماً عدة من دون تدفئة، متنا من الصقيع، والسبب ما في مصاري».
وعلى رغم اتخاذ الغالبية موقفاً سلبياً من الكاميرات، إلا أن البعض يراها أمراً طبيعياً: «لا أشعر بوجودها، وأنا أشاغب كما في السابق، من دون أن تلتقطني الكاميرا»، يقول محمود بثقة. وبعض آخر رأى في الكاميرا دفعاً للمظالم: «قبل الكاميرات، كان إذا حصل شغب في الصف يعاقب الجميع، أما اليوم فليس للإدارة حجة»، على حد تعبير عمر. بدورها، أبدت هبة ارتياحها للإجراء، «أصبح الصف أكثر هدوءاً، وبتُّ أركّز مع الأستاذ أكثر وأفهم الدرس جيداً».
يُعد انقسام التلامذة بشأن الكاميرات انعكاساً لآراء الأهل، إذ اعترض البعض منهم، وخصوصاً من لديهم بنات محجبات، وآخرون وصفوا الأمر بالحجز لحرية أولادهم. في المقابل، رأى البعض أنّ الكاميرات لمصلحة أولادهم وتحسّن مستواهم الدراسي، وقد سمح لهم بأن يراقبوا أولادهم عبر التلفاز ويتأكدوا بأنفسهم من سلوكهم.
وأوضح معظم الأساتذة أنّ الكاميرا عنصر مساعد في ضبط الصف: «لا يمكن الأستاذ أن يراقب جميع التلامذة في الصف لأنه يكون مشغولاً بالتدريس، وخصوصاً عندما يكون عددهم كبيراً»، يقول أحد أساتذة الرياضيات، مشيراً إلى أنّ الكاميرا كشفت لي عدداً من التلامذة المشاغبين الذين لم أشك فيهم للحظة».
وترى الإدارة في وضع الكاميرات ضبطاً لأمور عدة يستحيل كشفها. ويروي الناظر محمد عساف أنه مع بدء العام الدراسي، وضع تلميذ مفرقعة في الحمام دوّت بقوة، وظنّها التلاميذ والأساتذة انفجاراً، وقد دبّ الذعر في المدرسة، ولم يعرف الفاعل. كما يقوم بعض التلامذة في كل سنة بتكسير المغاسل والحنفيات وطاولات الدراسة، ولا يُعرف الفاعل. ويشير إلى أنه منذ وضعت الكاميرات، لم تحصل أية حادثة شغب.
ويرى عساف أنّ ما يقال عن حجز للحرية مبالغ فيه، باعتبار أنه كان باستطاعة المدير أو الناظر الدخول إلى أي صف ومراقبة التلامذة مباشرة.