أنطوان سعدبامتناع المملكة العربية السعودية عن تحديد موعد لرئيس مجلس النواب نبيه بري الحامل، كما هو معروف، مبادرة حظيت بموافقة سوريا على التخلي عن مطلب الثلث المعطّل في التشكيلة الوزارية الأولى من العهد المقبل، وباستمرار رئيس كتلة نواب المستقبل سعد الدين الحريري في المملكة محجماً عن التصاريح والاتصالات والاستقبالات، تعود الأزمة القائمة في لبنان إلى النقطة التي كانت فيها غداة انتهاء ولاية الرئيس العماد إميل لحود.
في ذلك الوقت الذي يبدو فيه اليوم بعيداً جداً، لم ينجح قائد الجيش العماد ميشال سليمان في تبديد هواجس المعارضة مما عدّته تبدلاً مفاجئاً في موقف الأكثرية من ترشيحه. وقد استغرقت الكثير من الوقت قبل أن تتأكد من أنه لم يعقد صفقة بشأن سلاح حزب الله والعلاقات مع سوريا مع الجهات الدولية والعربية التي تقف وراء الأكثرية، وهذا في الواقع أكثر ما يهم حزب الله وحركة أمل.
وبعد تفويت فرصة التفاهم بين الأطراف الداخليين، انتقلت عملية التفاوض على الاستحقاق الرئاسي إلى خارج الأراضي اللبنانية، وتكرّست أكثر معادلة سوريا ــــ السعودية، و«تمترست» كلّ منهما وراء حلفائها، رافضة التراجع قيد أنملة عن مواقفها، معتبرة أن التراجع هو بمثابة انكسار لا يمكن تعويضه في حرب النفوذ التي تدور رحاها بينهما على القرار اللبناني.
وقد يكون رفض الاستماع إلى ما يمكن اعتباره العرض السوري الذي يحمله رئيس مجلس النواب، سببه شعور السعودية بالارتياح من جهة إلى الوضع القائم في لبنان، لأن المعارضة هي خارج الحكم والحكومة مستمرة في تسيير الأعمال دون مشكلة، ومن جهة ثانية، رغبة المملكة في أن تخسر سوريا الكباش القائم بينهما، بعدما لم تكتف الأخيرة بالتنازل الذي قدمته الأكثرية المتمثل بقبول ترشيح قائد الجيش. عود على بدء، ولكن مع تبدّل في الأدوار.
وفي هذا الإطار، تقول شخصية سياسية مخضرمة إن ما طلبته المعارضة من الأكثرية في مطلع الفراغ الرئاسي هو بمثابة أن ترفع الراية البيضاء وأن تعلن استسلامها، أما اليوم، فيبدو أن المطلوب هو العكس تماماً.
هذا العود على بدء، قد يعطي العماد سليمان فرصة ثانية لإعطاء انطباع أوّل، بخلاف ما هو سائد ومتعارف عليه، في هذا الإطار، مع فارق بسيط، ولكن جوهري، وهو أن العماد سليمان حافظ على حياديته في الصراع الدائر، على رغم أن المعارضة في الشهرين الأوّلين من الفراغ الرئاسي كانت أكثر من غير متعاونة معه على وجه الإجمال.
وإذا كانت الحيادية التي انتهجها منذ إعلان التوافق عليه هي المطلوب في المرحلة السابقة، فقد أصبح من الواجب عليه، بحسب أوساط مراقبة، أن يؤدي دوراً إيجابياً في وصل ما انقطع بين القيادات اللبنانية الموالية والمعارضة، وفي إدارة نوع من وساطة بينهما يكون مجيئه إلى الرئاسة الأولى الضمانة لتطبيقها.
لذلك، وما دام حدوث خرق في المواقف بين السعودية وسوريا في الظرف الراهن، يمثّل في المدى المنظور ضرباً من المستحيل، ليس من فرصة للحل تحفظ ماء الوجه للأفرقاء المحليين والإقليميين والدوليين سوى بتحرك للعماد سليمان يمكّنه من زمام المبادرة ومن إعطاء المعارضة التزامين: الأول عدم توقيع مرسوم تأليف حكومة لا تستجيب لمقتضيات الوفاق الوطني وفق ما يرتئيه هو، وقد برهنت السنوات التسع التي أمضاها في قيادة الجيش أنه مدرك تمام الإدراك لحدود اللعبة اللبنانية ومحدوديتها، وبخاصة في الملفات التي تهم المعارضة. الالتزام الثاني هو عدم إمراره مع الوزراء المحسوبين عليه لأي مشروع قانون انتخاب لا يستجيب أيضاً لمعايير الوحدة الوطنية التي أخذت اعتباراً من الانتخابات النيابية الأخيرة معنى جديداً، وهو أن تتمثل الطوائف بممثّليها الحقيقيين.
ولا بد في هذا الإطار من الإشارة إلى أن التفاهم بين قائد الجيش والمعارضة يجب أن يحصل، بداية على الأقل، مع العماد ميشال عون الذي يرى نفسه، عن صح أو عن خطأ، المعني الأول بالرئاسة الأولى لطمأنته إلى مكانته في العهد الرئاسي المقبل المتفق عليه مع وقف التنفيذ.
لهذا، ترى الأوساط المطلعة أن يفاوض سليمان عون، على الرغم من عدم سهولة طباع الأخير ومواقفه، وإلا فسوف يستمر عون في المفاوضة على سليمان والقبول بكل ما من شأنه أن يعرقل وصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية، ولو أدى به الأمر إلى تزكية ثالث، إذا ما اقتنع يوماً بأن لا حظ له في الرئاسة في هذا
الاستحقاق.