غسان سعوديوماً بعد يومٍ، يزداد غياب حزب الوطنيّين الأحرار، ويتضاءل ما بقي من حضور شعبي لمناصري هذا الحزب الذين صمدوا في وجه عواصف الحروب الأهليّة، ثم السوريّة، وإذا بهم يندثرون في زمن السلم والسيادة التي ضحّى الأحرار لأجلها بالكثير.
غياب تعدّى المؤيدين ليشمل حزبيين ناضلوا خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وأسسوا عبر حضورهم في الجامعات (مسؤول الطلاب السابق إدوار شمعون وآخرون) والنقابات (مسؤول التربية فؤاد شوفاني وآخرون) وبعض المناطق (جوزف مخايل في عكار وجهاد سلامة في المتن وآخرون) لاستمراريّة الحزب.
ويرى سلامة، الذي قدم استقالته من الأحرار عشية انتخابات 2005 بعدما تراجع رئيس الحزب دوري شمعون عن ترشيحه في المتن الشمالي دون إعلامه، أن ثمة أربعة أسباب رئيسيّة لتراجع الأحرار:
* أولها شعور القاعدة الشمعونيّة بأنها ليست في مكانها الطبيعي، وأنه كان في وسع الحزب أن يرسم خط اعتدال مسيحي، يوفق بين المتنازعين بدل المزايدة في التطرف ضد بعض القوى المسيحيّة.
* ثانيها، سخط المحازبين والمناصرين من تصرف حلفائهم معهم، من إقصائهم عن اللوائح النيابية عام 2005، ثم في فرعية بعبدا ــ عاليه 2007، إلى تهميشهم في صناعة قرار قوى 14 آذار.
* أما ثالثها فيتعلق بالتّسرع في الانفتاح، غير المحدود على القوات اللبنانيّة، الذي تستفيد منه القوّات حصراً بحكم قدراتها التنظيميّة والماليّة، علماً بأن تعامل رئيس الحزب دوري شمعون مع قضية اغتيال رئيس الأحرار السابق داني شمعون خيّب آمال كثيرين لم يفهموا كيف يندفع دوري لتمتين العلاقة مع جعحع وهو لا يزال قانونياً المتهم باغتيال داني.
* وتأتي رابعاً الأمور التنظيميّة، إذ تعرض الحزب في انتخابات 2005 للكمة قوية، لكن رئيسه لم يستفق. فانكفأ معظم المحازبين ولم يسأل أحد عنهم، يقول سلامة الذي قدم استقالته منذ ثلاثة أعوام ولم يكلف أحد من الحزبيين الاتصال به لمناقشته في قرار الاستقالة. فيما تراجع حضور الأحرار بقوة في المناطق وأقفلت معظم المكاتب التي كانت قد افتتحت في ظل الوجود السوري، وبات وجود الحزب في الجامعات هامشيّاً، مقارنة بما كان عليه قبلاً.
ويوضح أحد مسؤولي الأحرار الذين برزوا في المرحلة السابقة أن معظم المنكفئين اليوم يرتبطون بعلاقة وثيقة بكميل دوري شمعون وشقيقه غبريال اللذين سبق لهما أن اقترحا بضعة حلول إدارية لتفعيل دور الحزب وحضوره، لكنهما اصطدما بوالدهما الذي رفض مجرد النقاش في الحلول، متمسكاً بعدم التغيير، ومحافظاً على قوله الشهير: «أنا أقود الباص، ومن لا يعجبه فلينزل».
ويشير الوطنيّ الحر الشاب إلى حضور كميل القوي وسط قواعد الأحرار بسبب قربه من الناس، وتعاطيه اللبق واللطيف معهم، وتصرفه مع المطبّات الحزبيّة ومع هواجس المناصرين بطريقة داني شمعون.
ولا يكتفي المعترضون على أداء قيادة الحزب الحاليّة بتعداد المآخذ. إذ يقول سلامة إن المطلوب، باختصار، مأسسة الحزب وتعديل النظام الداخلي وتفعيل الإدارة الحزبيّة والأمانات وفتح المجال أمام الشباب لإيصال كلمتهم، وسط تأكيد من الأحرار على احترامهم الكبير لشخص الرئيس وحرصهم على التعامل مع أمورهم الداخلية بحذر لعدم شقّ الحزب أو شرذمته.