المعارضة أدرجت الزيارة في خانة عرقلة الحلول وعون يتّهم الأكثريّة بالسعي إلى التمديد للمجلسجرعة دعم جديدة تلقّتها قوى 14 آذار من مساعد وزيرة الخارجيّة الأميركيّة، ديفيد ولش، الذي حدد أجندة المرحلة المقبلة، فيما كرّر رئيس الهيئة التنفيذيّة في «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع اتّهام سوريا بالتحضير لعمليات اغتيال في لبنانلاقى مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، ديفيد ولش، الذي وصل فجأة إلى بيروت، أمس، الموالاة في موقفها الرافض للحوار، معطياً الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية، مكرراً دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في هذه المرحلة.
وكان ولش، الذي يزور بيروت للمشاركة في حفل إحياء الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتفجير مقر السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، قد استهلّ لقاءاته باجتماع مع أركان الأمانة العامة لـ«قوى 14 آذار» إلى مأدبة غداء في منزل النائب السابق فارس سعيد في الرابية، بحضور القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون.
وبعد اللقاء، رحب سعيد بولش، مشيراً إلى «أننا نرحب في كل لحظة يأتي فيها مسؤول يدعم فكرة قيام دولة لبنان المستقل والمستقر، ولبنان الذي يريد أن ينتخب رئيساً للجمهورية فوراً من دون أي تأخير»، وأعلن تسليم مذكرة من قوى 14 آذار إلى ولش تتضمن طلبات هذه القوى من الإدارة الأميركية.
بدوره، دعا ولش إلى «انتخاب رئيس للجمهورية فوراً»، مشدداً على «ضرورة أن يفتح مجلس النواب أبوابه لتسوية ملف الرئاسة».
وطالبت المذكّرة الولايات المتحدة بمؤازرتها «على تثبيت واستكمال إعادة بناء الدولة عبر حسم عدد من القضايا التي لا تزال عالقة»، وأبرزها: «دعم الجهود العربية لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان فوراً ومن دون شروط مسبقة وإعطاء الأولوية لانتظام عمل المؤسسات الدستورية والدعوة الفورية إلى فتح أبواب المجلس النيابي والتأكيد أن الأزمة اللبنانية هي سورية المنشأ، إضافة إلى التعجيل في بدء أعمال المحكمة الدولية، وتوفير أقصى درجات الدعم من حيث التجهيز والتدريب للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، والمساعدة في إنشاء لجنة تحقيق دولية لمتابعة مصير المعتقلين في السجون السورية، ودعم الإجماع اللبناني والفلسطيني على رفض التوطين، والإسراع في تطبيق الفقرة التنفيذية العاشرة من القرار 1701 القاضية بمعالجة مسألة مزارع شبعا، وتأكيد الولايات المتحدة أن منطق الصفقات والمقايضات قد ولّى إلى غير رجعة للحؤول دون تمكين دمشق من إعادة استتباع لبنان والهيمنة على قراره السياسي».
ثمّ زار ولش وسيسون رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ونُقل عن السنيورة تأكيده خلال الاجتماع «ضرورة التمسك بالمبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية»، معتبراً أن «هذه المبادرة هي بمثابة الورقة الجدية المطروحة على طاولة البحث وذلك استناداً إلى التجارب التي سبق للبنان أن مر بها».
وأكد أهمية أن «تنصبّ الجهود لانتخاب رئيس للجمهورية»، مشدداً على «ضرورة التمسك باتفاق الطائف وضرورة تنفيذه والتمسك بالنقاط السبع».
وبعد الاجتماع، كرر ولش «ضرورة حصول الانتخابات في أسرع وقت ودون أي تأخير»، وقال: «ليس من المناسب أن يبقى منصب الرئاسة شاغراً طوال هذه المدة لأنه من أهم المناصب المسيحية في هذا البلد، لذلك يجب أن يفتح مجلس النواب وينعقد وتحصل الانتخابات في أسرع وقت، وألا يكون تأخيرها بسبب أي شرط من هذه الشروط. ونحن ندرك أيضاً أن هذا كان هدف مبادرة جامعة الدول العربية، والولايات المتحدة تدعم هذا الهدف بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية».
وجدد دعم «رؤية الأغلبية من أجل لبنان مزدهر، ذي سيادة وأمن ويتطلع إلى المستقبل»، وغمز من قناة المعارضة قائلاً «نحن قلقون لأن البعض ممن خضعوا للتأثير من الخارج قاموا بخطوات لتوقيف هذا المسار السياسي ولتسهيل أهدافهم الخاصة وأهداف حلفائهم»، وشدد على أهمية أن تعمل المؤسسات اللبنانية، مؤكداً «دعم الحكومة ورئيسها».
وربط إجراء الحوار بفتح المجلس النيابي، معتبراً أنه «المكان المناسب لإجراء الحوار الوطني».
وأكد ولش أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان «مسار لا يمكن عكسه، وهو سينهي الإفلات من العقاب للجرائم السياسية والاغتيالات».

برّي قائد مهم

وبعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، كرّر ولش مواقفه، واصفاً بري بأنه «قائد مهم يمكن أن يؤثر على مستقبل هذا البلد».
ورداً على سؤال، قال: «لقد جرّبنا الحوار لسنوات عديدة وإن الوقت الآن لأخذ القرارات التي يجب أن تتم وفق قواعد المؤسسات في هذا البلد، فعندما ينتخب الرئيس فإن الاستشارات النيابية من أجل تأليف الحكومة تبدأ، وبعد ذلك يمكن القضايا الأخرى أن تبحث، ومن بين هذه القضايا قانون الانتخابات».
وانتقل ولش إلى كليمنصو للقاء رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بحضور عدد من أركان قوى 14 آذار. وبعد اللقاء قال ولش: «شرف كبير لي أن أحل ضيفاً على السيد وليد جنبلاط، صديقي وصديق الولايات المتحدة الأميركية، الرجل الوطني والمدافع عن حرية لبنان واستقلاله. كانت لنا مباحثات مع عدد من قادة 14 آذار بشأن الأزمة اللبنانية ومستقبل لبنان. أبلغت أصدقائي أن الولايات المتحدة تدعم بقوة الديموقراطية والحرية في لبنان، وسيادة هذا البلد وأمنه». وأعلن أن «لدى قوى 14 آذار أفكاراً لمواجهة المستقبل، تود مناقشتها في مجلس النواب مع المعارضة على سبيل المثال. وبرأينا أن الديموقراطية هي ضمانة لاستمرار الأفكار، فلتضع الموالاة والمعارضة أفكارهما، ولنرَ ما سيتم التوصل إليه».
ثم أولم جنبلاط للحضور.
وأدرج لقاء أحزاب وقوى المعارضة زيارة ولش «في خانة مواصلة سياسة عرقلة أية حلول ومنع التلاقي والحوار بين المعارضة والموالاة، لإيجاد تسوية للأزمة على قاعدة المشاركة، لأن ذلك يؤدي إلى تغيير في المعادلة يحول دون قدرة أميركا على التحكم بقرارات الحكومة كما هو حاصل اليوم».
وفي موضوع متصل، علّق عضو لجنتي الخارجية والدفاع والأمن في المجلس النيابي، النائب الحاج علي عمّار، على تخريج سيسون دفعة من قوى الأمن الداخلي، معتبراً أن هذا الأمر «إهانة لكل اللبنانيين ولا سيما الذين اكتووا بنار العدوان الإسرائيلي عام 2006 بالأسلحة الأميركية والدعم السياسي والمشاركة في القرار». واستنكر «هذه الاستباحة الأميركية لمؤسساتنا بشكل صريح وواضح، فضلاً عن تحريكها جواسيس الـFBI والـCIA المنتشرين في كل لبنان لإثارة الفتن والقلاقل، متغطين بعباءة حكومة وفريق البيال».
وتزامنت زيارة ولش مع اتهام جعجع لسوريا مجدداً بأنها تحضّر لعمليات اغتيال تستهدف بعض الشخصيات في 14 آذار، وأن اسمه بينها، مشيراً إلى أنه تلقى هذه المعلومات من بعض أجهزة الدولة.
في المقابل، أكد عون «أن الجدل كان قد حسم حول اسم الرئيس التوافقي، وهو العماد ميشال سليمان، لكن الأكثرية عطلت انتخابه وستبقى تعطل آليات الحلول إلى حين الانتخابات النيابية، فإذا تمّت الانتخابات وفق قانون الـ2000 ضمنت 55 نائباً ويصبح تحويلهم إلى أكثرية ممكناً، ما دامت الدولة الراعية التي أنفقت 300 مليون دولار في انتخابات 2005 مستعدة لإنفاق مليار دولار في 2009، وإلا فستسعى الأكثرية الحالية للتمديد للمجلس القائم وتعطيل الانتخابات».
وكرّر عون خلال لقائه هيئة تحرير «وكالة الشرق الجديد» أن أربعة نواب من الأكثرية سينضمون إلى التكتل، من دون أن يقفل اللائحة على نواب آخرين، موضحاً أن «آلة القتل التي يستخدمها البعض في السياسة الداخلية تمنع الآن الإعلان عن الأسماء»، ورأى أن صف الأكثرية قد تضعضع منذ الإعلان عن وجود نواب قيد الخروج منها.
وعن موقف النائب ميشال المر، رأى أن هذا من شأنه، والرأي العام وحده يقف على الصدقية والثبات. وفي إشارة إلى النائب جنبلاط، قال عون: «إن بعض السياسيين أصحاب مواقف اللحظة، وتكاد لا تتمكن من أن تعقّب على كلامهم الذي سينقضونه غداً».
واقترح هيئة من المعارضة تضم تياري «المردة» و«الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «أمل» والرئيس عمر كرامي والنائب أسامة سعد، وإذا تعذر ذلك وأصرّ بعض أقطاب المعارضة على توسيع دائرة التمثيل اقترح «جبهة واسعة تضم جميع مكونات المعارضة القادرة على الانسجام في ما بينها لتقوم بينها وبين التيار صيغة تنسيق متقدمة».
وكان عون قد التقى المعاون السياسي لبري، النائب علي حسن خليل، موفداً من رئيس المجلس لإطلاع الأول على نتائج جولته العربية. وأكد خليل بعد اللقاء أن تفويض المعارضة للعماد عون «لم يسحب على الإطلاق وهو موضع ثقة المعارضة ويتحدث باسمها، ولنا ملء الثقة بهذا الأمر». ورفض السماح «بمخطط إمرار قانون الألفين في الانتخابات النيابية المقبلة»، مجدداً الإصرار على الحوار.
من جهته، ردّ السفير الإيراني، علي رضا شيباني، بعد زيارته عون على دعوة الرئيس السنيورة إيران إلى التوقف عن التدخل في شؤون العرب، معتبراً أن هذا التدخل يؤثر على مسار الحل في لبنان أيضاً. وأكد شيباني أنه «لطالما بذلت إيران جهوداً من أجل إعلاء كلمة العرب وكلمة المسلمين عموماً»، موضحاً أن إيران «تنتمي إلى نسيج منطقة الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية. لذلك نرى من المناسب أن يطلب من الغرباء عن نسيج هذه المنطقة أن يكفّوا عن تدخّلاتهم في الشؤون المتعلقة بالشؤون الإسلامية والعربية عموماً».
في غضون ذلك، شدد الرئيس سليم الحص، العائد من دمشق، على أن الرئيس السوري بشار الأسد مصمّم على تصحيح العلاقات السورية ـــــ العربية وخصوصاً السورية ـــــ السعودية، مؤكداً أن الرئيس الأسد سيبذل كل الجهود خلال رئاسته للقمة العربية لإعادة المياه إلى مجاريها بين جميع الدول العربية.
ونقل الحص عن الرئيس الأسد استعداده لبذل كل المساعي للمساعدة في حل الأزمة اللبنانية الراهنة، مؤكداً أنه لا مانع عند دمشق من ترسيم الحدود اللبنانية ـــــ السورية أو التمثيل الدبلوماسي، لكن الامر يتعلق بالدولتين، لا بسوريا فقط. وقال: «إذا أجمع اللبنانيون على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية أو حتى حكومة انتقالية فستمضي سوريا به بمعزل عن أي أمر آخر».

«ذاكرة المرّ خانته بفعل العمر»

وفي شأن داخلي آخر، كشف النائب الثاني لحزب الكتائب الدكتور سليم الصايغ في بيان عن اتصال جرى أمس بين رئيس حزب الكتائب أمين الجميل والنائب ميشال المر، تباحثا خلاله في «تطورات الاستحقاق الرئاسي، وتوقف الطرفان عند أهمية إيجاد ديناميكية جديدة من أجل تفعيل عملية الانتخاب»، وأشار إلى أن «اللقاء بينهما وارد على أساس القناعات الوطنية التي تدافع عنها الكتائب».
من جهته، ردّ النائب نعمة الله أبي نصر على النائب المر الذي اتهمه في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بأنه ساهم في فقدان النصاب في جلسة اللجان المشتركة التي كانت تبحث مشروع قانون الانتخابات النيابية على أساس القضاء، فذكّره بأنه «عندما كانت الرابية محجّته السياسية، كان أبو الياس يروي تفاصيل تطيير الجلسة وخروج نواب قرنة شهوان، وينظر إليّ ويقول «مش هيك يا نعمة الله». وأشار إلى أن المر خانته ذاكرته بفعل العمر».
وسط هذه الأجواء، عقد أمس في دار الفتوى لقاء حضره مفتي الجمهورية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، ومفتو المناطق اللبنانية المختلفة من السنّة والشيعة ومن العلماء الموحدين.
وصدر عن اللقاء بيان تلاه الأمين العام للقمة الروحية الإسلامية محمد السماك، أكد «أن وحدة المسلمين ووحدة المسيحيين ركن أساس من أركان الوحدة الوطنية»، ودعا «إلى وجوب التمسك بهذه الوحدة والذود عنها، والتصدي معاً لكل المحاولات التي تستهدف إثارة الفتنة بين المسلمين خاصة واللبنانيين عامة»، لافتاً إلى أن العلماء قرروا تشكيل لجنة خاصة» لرصد هذه المحاولات والكشف عنها بهدف تفشيلها والقضاء عليها.
وحضّوا «القيادات السياسية والوطنية على العمل على حل الأزمة السياسية وتسهيل تنفيذ مبادرة جامعة الدول العربية».
بدوره نبّه البطريرك الماروني نصر الله صفير في كلمة ألقاها باسمه النائب البطريركي العام المطران رولان أبو جوده، خلال افتتاح مؤتمر المؤسسات المانحة الكاثوليكية، من أنه «منذ أكثر من عام ونصف عام والبلد بدأ في حالة تفكك ويتكبد الخسائر»، وحمل «مسؤولية ما يحصل لكل اللبنانيين».


العماد عون يوضح

تعقيباً على المقالة الواردة في صحيفة الأخبار بتاريخ 17/4/2008 تحت عنوان «حالات: من حفر حفرة لأخيه وقع هو وأخوه فيها»، جاءنا من المكتب الإعلامي للعماد ميشال عون التوضيح الآتي:
«أولاً: إنّ العماد عون لم يتطرّق إلى موضوع المقابر الجماعية من باب تحميل المسؤولية لأحد، إنما من كونها مأساة إنسانية تجب معالجتها.
ثانياً: إنّ التيار الوطني الحر ليس لديه مسؤولون مجهولو الهوية ويدلون بتصاريح صحافية.
من هنا، نتمنى على صحيفتكم عدم نسب أقوال إلى «مسؤولين» أو «مصادر» في التيار دون الإشارة إلى اسمهم الصريح وصفتهم الحزبية».
المحرّر:
لم يرد في المقالة المنشورة أي إشارة إلى تحميل العماد ميشال عون مسؤولية «المقابر الجماعية» لأي طرف، كما إنّ عدم تسمية مسؤولي أو مصادر التيّار جاء نتيجة طلب منهم.