خمس سنوات مضت وفريق مختلط فلسطيني ــ إسرائيلي يعمل على إنجاز ملف الآثار وتهيئته لمفاوضات السلام... حينما تأتي. هذا ما أعلنته جامعة كاليفورنيا التي احتضنت الاجتماعات، بعدما نظّمها اثنان من أساتذتها رغبة منهم في دعم الملف الذي لم تكن أي من الجهتين قد أعطته الاهتمام الضروري في مختلف الاجتماعات التي تناولت مفاوضات السلام.يقول سوارتز دود، المدرّس في جامعة كاليفورنيا، إن الفكرة راودته حينما عرف من مقرّبين للسياسيين في المفاوضات أن ملف الآثار لم يطرح يوماً على طاولة الحوار. فقرر إنشاء فريق العمل هذا الذي يعدّ الاتفاقيات في خصوص المواقع الأثرية والقطع المعروضة في المتاحف. وخلال هذه الاجتماعات، وضع أعضاء الفريق أسس الاتفاق بين الدولتين وكيفية توزيع القطع بين الطرفين، وكتابة التعهد بأن يحافظ كل فريق على ما يأتمنه عليه الآخر. ويقول دود إن الهدف هو «أن لا تصبح الآثار عقبة قد تؤدي إلى خلل في عملية السلام من ناحية، ومن ناحية أخرى كي لا يجري التعاطي مع الملف بسرعة واستخفاف تدفع الآثار ثمنها».
تجدر الإشارة إلى أن الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة تعدّ ملف الآثار من الملفات الساخنة جداً على طاولة المفاوضات. فبالنسبة إليها، إسرائيل هي أرض الميعاد، وكل قطعة أثرية تخبر عن تاريخ ارتباط اليهود بهذه الأرض! مع العلم بأنه، ولأكثر من أربعين سنة من الحفريات الأثرية المتتالية، لم يعثر علماء الآثار الإسرائيليون، وبشهادتهم، على أي دليل حسي يؤكد أن فلسطين هي إسرائيل المذكورة في العهد القديم.
ولكن لم يتطرق علماء الآثار في مفاوضاتهم تلك إلى هذا الملف أو حتى إلى المشاكل التي خلّفها الجدار الفاصل، مع العلم بأنه دمر مئات المواقع الأثرية المكتشفة، وضمّ إلى إسرائيل مئات أخرى لا يزال تاريخها مجهولاً. ولكن علماء الآثار الذين يرون في أنفسهم صانعي سلام، تجرّأوا على طرح حل بالنسبة إلى القدس أتى على شكل تصنيف المدينة بأكملها على لائحة التراث العالمي لليونيسكو، وطلب من تلك الهيئة إدارة شؤونها الأثرية، مع العلم بأن المناطق الدينية هي الوحيدة المصنّفة حالياً على لائحة التراث العالمي.
من المؤكد أن هذه المبادرة «جريئة» جداً، وتعطي للآثار حيّزاً مهماً جداً في المفاوضات السياسية، كما أن القبول بالمشاركة في تلك «المفاوضات» من شأنه أن يعرّض حياة المشاركين للخطر ولاتهامهم بالتحيّز والخيانة. ولكن من المؤكد أن الدافع الأول كان المحافظة على الإرث الثقافي والأثري، على أمل إنقاذ ولو بعضاً منه من براثن المتاحف الإسرائيلية.