زينب السباعيإذا كانت المرشدة التربوية «المخلّص» الذي يساعد التلامذة على تخطي مشكلاتهم، فهي تنتظر في المقابل من يحتضن عملها عبر تشريع وضعها في المراسيم الوزارية من جهة، وتقبل الأهل الإيجابي لدورها من جهة ثانية. وإذا كان الأهل مطالبين بالتأني وعدم توقع النتائج السريعة، فإنّ الإدارات مدعوة إلى تخصيص ساعة واحدة على الأقل أسبوعياً للبرنامج التوجيهي
يرن هاتف مكتب الاختصاصية الاجتماعية وفاء طراف باستمرار، طلباً لمشورة أو رغبة في استفسار، تجيب الجميع بهدوء ممزوج بنشاط عفوي. يطرق أحد التلامذة باب طراف سعياً وراء حل، فما هي المشكلة؟ بكل بساطة، لم يوقع سامر ورقة الامتحان لأنها ضاعت منه، يتوتر لمجرد التفكير بتأنيب المعلمة. تستوضح طراف منه الجوانب كلها والابتسامة لا تفارق محياها. يرتاح سامر تدريجياً فيتناول «سندويشته» متابعاً شرح المشكلة.
يتكرر المشهد في يوميات المرشدات التربويات، وتحديداً بعد اختلاف نظرة المجتمع لعملهن، فغدت الأرضية أكثر جهوزية وحاجة لهن نتيجة «الوضع الاقتصادي والتطور التقني الذي أحدث فجوة ثقافية بين الأهل وأولادهم»، على حد تعبير الاختصاصية الاجتماعية وسام رحال. من جهتها، تعزو طراف أسباب ارتفاع مستوى الثقة بالمرشدة إلى «النتائج العملية التي نحققها ومهاراتنا التواصلية».
تجاوب المجتمع
وفي حين يتدرج موقف بعض الأهل في الإيجابية، يحافظ البعض الآخر على فهمه الخاطئ لمهام المرشدات، فيلقي اللوم على عاتقهن. وترى المرشدة جيهان زبير (علم نفس تربوي) في هذا الإطار، أنّ قلة التجاوب تعود إلى مدى «التقبل الثقافي» لهذا الدور التوجيهي، فيما تلفت سهى فضل الله (علم نفس) إلى أنّ «نقص الوعي أو ضعف الإرادة يدفعان ببعض الأهالي إلى التخلي عن مسؤولياتهم، فتأتي إسقاطاتهم خاطئة».
ويضاف للفهم الخاطئ، نظرة الوالد الشرقي الذي لا يتقبل النصح من المرشدة «الأنثى»، وهنا تؤكد سلاف هاشم (علوم اجتماعية) «أننا نواجه أحياناً مثل هذه النظرة للآباء الذين، إن حضروا، يتذرعون بضغط الوقت والعمل، لكن التعاون مطلوب من الوالدين، لأنّ الإرشاد يحتاج إلى تضافر جهود جميع أفراد الأسرة».
تعريف ملتبس
وإذا توافقت المرشدات على تغير النظرة المجتمعية، فإن الشيطان يكمن في تفاصيل المفهوم وخطوات التنفيذ. وتوضح رحال الالتباس السائد بالقول: «المرشد التربوي يختلف عن المرشد الاجتماعي، لأنّ الأخير يملك النظرية والوسيلة وتقنيات العمل في المراحل كلها، فيما يقتصر دور الأول على معالجة الصعوبات التعلمية وتحسين السلوك فقط». وتستنكر من جهة ثانية المنافسة غير الشريفة «هناك تعدّ على حقوق المهنة من غير أصحاب الاختصاص، لذا جرى تبديل اسم النقابة من نقابة العاملين الاجتماعيين إلى نقابة الاختصاصيين في العمل الاجتماعي». وتناشد رحال المسؤولين عن التوجيه المهني ضرورة لفت الانتباه إلى اختصاص «الإشراف الصحي الاجتماعي» في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية.
وفي الإطار عينه، تطالب طراف بإجراء مباراة لجميع المرشدات عبر مجلس الخدمة المدنية، مع «مقابلة تخصصية عملية لا شفوية».
حلول سريعة وحصص غائبة
لا تمنع إعادة النظر بالتوصيف المهني المرشدات من الإجماع على صدارة الحلول الآنية لقائمة الصعوبات التي تواجههن في عملهن. وتواجه فضل الله «عدم صبر الأهل وتوقعهم الحصول على نتائج سريعة»، وهنا تقول طراف إنّ الحالات السلوكية ليست لمسة سحرية.
أما زُبير فترى في العلاقة مع الطالب عقبة أساسية، مشيرة إلى أنّ «إحدى المشكلات هي القدرة على بناء جسر ثقة مع التلميذ ليفتح لنا الباب، فالمرشد هو صديقه المختص الذي لن يخذله».
وإذ يتجه رأي هاشم في المنحى نفسه، فهي تفصّل العقبات التي قد تعترض عملها إلى أوجه عدة. «قد تصطدم العملية الإرشادية بصعوبة، سواء في إحدى مراحلها أو بسبب مهارات المرشدة التواصلية، وشخصية الطالب، وطبيعة المشكلة أو التدخلات الخارجية، ومدى تعاون الأهل، والنتائج المتوخاة».
تمتد هذه العوائق لتطال عدم تخصيص ساعات للتوجيه التربوي، أسوة بالمواد التعليمية الأخرى، وتقول فضل الله: «لا أتواصل مع الطلاب إلاّ عند الفرص، وليس بشكل يومي». وإذ يتقاطع رأي هاشم مع فضل الله، تؤكد وجود «فترة توجيهية أسبوعية يقدمها الأستاذ، إضافة إلى حصص أخرى حسب الحاجة». وتلفت زبير في هذا الصدد إلى أنّ المرشدة «تأخذ عشرين دقيقة من حصص ذات مضمون بسيط لتقديم البرنامج التدخلي، فيما تحدد ساعة واحدة أسبوعياً للبرنامج الوقائي».
وتدعو رحال الذكور، وخصوصاً الكشفيين منهم، إلى الإقبال على هذا العمل، نافية الشائعات عن ضآلة المردود المادي «هناك دعاية مغرضة تهدف إلى إبعاد الشباب عن العمل الاجتماعي، علماً بأنّ دور هؤلاء سيكون أكثر فاعلية مع بني جنسهم».
تقصير وزاري ومعلم بديل
تصف المرشدات العلاقة مع إدارة المدرسة الخاصة بـ«الممتازة»، لا سيما لجهة إيمانها بأهمية الإرشاد أو حفاظها على سرية المعلومات، وتقديم كل الوسائل اللازمة، من غرفة خاصة، ومراجع، إلى الصلاحيات المفتوحة لتأدية الواجب كاملاً، وتشبه طرّاف الأمر بـ«الضوء الأخضر الإداري».
في المقابل، يبدو أنّ التواصل مع وزارة التربية والتعليم العالي شبه مقطوع في هذا الإطار، لأنها لم تُلزم في الأصل مدارسها الرسمية بضرورة وجود مرشد تربوي. «لم تشرّع الوزارة وجودنا في المدارس الرسمية، وهذا أكبر إجحاف بحقنا»، تقول رحال بأسف.
وفي هذا المجال، تشير منسقة التوجيه التربوي في وزارة التربية جوليانا طرابلسي إلى أنّ «فكرة التوجيه انطلقت عام 1998 من رغبة الوزارة في الحد من التسرّب المدرسي، عبر حل مشكلات الطالب السلوكية والانفعالية». وإذ ترجّح طرابلسي توجه الوزارة نحو إدراج المرشد المتخصص في الهيكلية الإدارية الجديدة، تؤكد أنّ الوزارة تدرّب، بالتعاون مع بعض المراكز، عدداً من المعلمين على العمل الإرشادي.
وتقول: «أجرينا دورات مكثفة لـ74 أستاذاً حائزاً شهادات في علم النفس أو الاجتماع أو الفلسفة، وقد تولت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) كل التكاليف المادية». وتردّ رحال على استبدال المعلم بالمرشد بالقول: «ليس كل من خضع لدورة تدريبية أصبح خبيراً اجتماعياً، فالمعلم يتمتع بإجازة تعليمية لا مهنية».
وفي إطار تبادل الأدوار، قد تحل المرشدة أحياناً مكان المعلم الغائب، ليس لإعطاء مادته التعليمية، بل لتعبئة الفراغ بأسلوب ذكي عبر لعبة تربوية.
وتشتمل الخطة السنوية التي تعدها المرشدات على الطالب والأهل والاساتذة «لأنّ عمل المرشد لا ينفصل عن دور المربي»، كما تشرح هاشم لذا تتعدد المرجعية التوجيهية ولا يمكن حصرها بالمرشد. من جهتها، تقول زبير «إنّ الاساتذة يزودوننا بتقارير اسبوعية نتابع من خلالها حالات الطلاب»، فيما تقدم فضل الله بالمقابل للمعلمين نشرات تربوية دورية.