عمر نشابةحلّ موسم تلف الأراضي المزروعة بالأفيون، وانطلقت تحضيرات الشرطة القضائية لإتمام المهمّة، لكن هناك صعوبات تعترضها ومنها النقص في التجهيزات. مطالبة المزارعين الدولة بالبديل لا يعالج إدمان الشرطة على تطبيق القانون، ولو شكلياً
«إذا الدولة بتقبض على حدا قانونياً صحتين على قلبا، الحقّ عليه... لوين رايح يا مطلوب؟!» قال عيسى (اسم مركّب) وهو يسحب من خاصرته مسدسين ويضعهما على الطاولة. وكانت الشرطة القضائية قد أوقفت أحد أقارب عيسى يوم الاثنين 7 نيسان الماضي، وعلى الأثر تناقلت بين مراكز الأمن برقيات استخبارية تشير إلى نيّة العشيرة التي ينتمي إليها الموقوف خطف عناصر قوى الأمن الداخلي وضباطه والاعتداء عليهم، بهدف الضغط لإطلاق سبيل فراس.
«أنا أقدّم ضمانات لقوى الأمن أن عشيرتنا لن تقوم بخطفهم أو الثأر منهم، لأننا اطمأننّا إلى أنهم لم يقتلوه أو يعذّبوه» قال عيسى، ثمّ علا صوته من جديد وصرخ «أنا ما بخاف من الدولة، ما بخاف من حدا». ونفى أن يكون قد زرع في أراضيه أفيوناً، وأكّد أنه يحبّذ إتلافها وقال «إذا شي ابن حرام زارع شي حاكورة أفيون، يتلفولو ياها ما في مشكلة»، لكنه أضاف «بسّ أنا مع زراعة الحشيشة».
مخابئ الأفيون الجبلية
يوم الأربعاء الفائت، الساعة السابعة والنصف صباحاً، انطلقت دورية من مكتب مكافحة المخدرات الإقليمي في البقاع، بقيادة المعاون أوّل (ن.ب) لإجراء كشف على حقول يحتمل أنها مزروعة بـ«النباتات المخدرة» (كما وصفتها التقارير الأمنية)، ضمن نطاق فصيلة الهرمل. وفي الساعة الثامنة من صباح اليوم نفسه، انطلقت دورية أخرى من مفرزة زحلة القضائية بقيادة الرقيب أوّل (ع.م) لإجراء عملية كشف مماثلة ضمن نطاق فصيلة شمسطار. عادت الدوريتان الساعة الثالثة بعد الظهر «وكانت النتيجة لا شيء». الدوريات نفسها كانت قد قامت بالمهام نفسها منذ أيام، وتوصّلت إلى النتيجة نفسها. هل يعني ذلك أن لا زراعات ممنوعة في سهل البقاع؟
تفقّدت «الأخبار» الأراضي الزراعية في منطقة بعلبك الهرمل، وتبيّن لها أن الأماكن التي يمكن الوصول إليها بالسيارة العادية ليس فيها حالياً مزروعات ممنوعة، لكن عند الانتقال بصعوبة إلى المناطق الجبلية بواسطة سيارات ذات دفع رباعي، تبيّن أن بعض الأراضي فيها مزروعة بنبتة الأفيون، وبات طول الشتل فيها أكثر من متر. القانون يحظّر زرع الأفيون، إذ إنه يصنّع لتحويله إلى مادّة الهيرويين المخدّرة.
«يلّي زرع ممنوعات العام الماضي هو يلّي أكل، ويلّي ما زرع هو يلّي جاع» يقول أحد المزارعين لـ«الأخبار»، أثناء جولة شملت المنطقة الممتدة من حزّين مروراً بشعت ودير الأحمر والكنيسة ونبحا ووادي النيرا والقليلة والصفرا ووادي التركمان، وصولاً إلى سهل الهرمل والمرتفعات الجبلية المحيطة به.
لكن مع إعلان قيادة الشرطة اقتراب موعد تلف الأفيون، تعهّد مزارع بحقّه 183 مذكرة قضائية لتوقيفه و127 مذكّرة إلقاء قبض، إضافة إلى 90 حكماً صادراً يعاقبه بالسجن المؤبّد بجرائم مخدرات، إتلاف المزروعات الممنوعة لقاء الحصول على دعم يمكّنه من زراعة البطاطا والقمح والبصل والأشجار المثمرة، وبرنامج زراعي يسمح بتصريف منتجاته بأسعار مقبولة. وأكّد بعد قوله إنه يحلم بأن يكون ضابطاً في الشرطة، إنه يزرع الممنوعات بدافع معيشي لا بدافع جرمي. وبرغم تفاوت دوافع زراعة الممنوعات، ليست الضابطة العدلية مخوّلة التساهل في تطبيق القانون، وذكر أحد المخاتير في هذا الإطار أن في قريته وحدها «أكثر من 120 مطلوباً فاراً من العدالة بسبب زراعة الممنوعات وبيعها، و200 آخرين غادروا البلاد خوفاً من الملاحقة القضائية».
الأهالي يطالبون الدولة بـ«البديل»، أي المساعدات التي من المفترض أن تعرضها الدولة على المزارعين لتشجيعهم على التخلي عن الزراعات الممنوعة والامتثال للقانون. وناشد أحد الفاعليات العشائرية البارزة في منطقة بعلبك ـــ الهرمل، الحكومة والضابطة العدلية بالقول «أمّنوا لنا حقوقنا كمزارعين، ونكفل عدم زرع شتلة أفيون أو حشيشة واحدة في كلّ المنطقة»، ولدى سؤاله عن طبيعة تلك الحقوق أجاب «بكل بساطة: تأمين البذار ومشاريع الريّ». وتحدّث عن التسهيلات والدعم الذي تقدّمه الدولة السورية لمزارعيها، فذكر السدود لتأمين الريّ بالجاذبية، مما يوفّر صرف الأموال على مازوت مضخّات المياه، بينما مشروع سدّ العاصي في لبنان مجمّد.
الطريق إلى منطقة بعلبك الهرمل مليئة بالجوَر، وبينما تصلح الدولة الطريق الرئيسية التي تصل شتورا ببعلبك، تبقى الطرقات الداخلية التي توصل إلى عشرات القرى الريفية، مهملة. والعديد من تلك القرى ليس فيه مستوصفات ولا سيارة إسعاف ولا أدنى وسائل الإطفاء، ويفتقر للمدارس. ويقول أحد المخاتير إن بعلبك الهرمل مصنّفة «منطقة عسكرية» منذ الاشتباكات التي حصلت بين المجموعات المسلّحة التابعة للشيخ صبحي الطفيلي والجيش عام 1998 في عين بورضاي.
قد تتمكّن الضابطة العدلية بمساعدة الجيش من قمع مزارعي الممنوعات بقوّة السلاح، لكن المرجح أن الثمن بالأرواح البشرية سيكون عالياً، إضافة إلى الثمن الاجتماعي بسبب الخصوصيات العشائرية والتقاليد الثأرية لأبناء البقاع. ويبدو أن هناك طريقاً أسهل لفرض القانون وضبط المخالفات، من خلال إعطاء مزارعي الممنوعات فرصة ليلتزموا تعهداتهم بإتلاف الزراعات الممنوعة مقابل تزويدهم بمقوّمات العيش الكريم.