strong>وثائق ومؤتمرات تتحدّث عن تنظيم المستقبل لبلاد لا تستطيع احتمال الحاضر
لم تمضِ أسابيع على إعلان قوى 14 آذار تحضيرها لوثيقة سياسية ستطلق بعد أشهر حتى أعلنت المعارضة تحركاً مماثلاً يقضي بإعداد وثيقة سياسية وتنظيم كل القوى المعارضة وفق آليات عمل، ما زال الغموض يكتنف العديد من جوانبها

ديما شريف
«يمكن ناطرينا تنبلّش ورش العمل تيعرفوا شو بدن يعملوا»، يضحك أحد الآذاريين في العائلة الموالية عند سؤاله عن وثيقة المعارضة المرتقبة. يرفض الإجابة بما أنّه ليس هناك وثيقة لينتقدها. زميله النائب السابق كميل زيادة لا يريد أيضاً التعليق على تحرك المعارضة لوضع وثيقتها ويرى أنها أدرى بتوقيت إعلانها عن وثيقة سياسية خاصة بها وأنه بعدم وجود أي نص واضح لا يمكن الكلام على المضمون. يُجمع الآذاريون الموالون عموماً على أنهم لا يأبهون لما ستُقدم عليه المعارضة وأنهم سبقوهم «ومن زمان»، كأنها مباراة «سباق الضاحية»، ولكن الضاحية المودرن.
في 14 آذار 2008 أطلقت قواه من البيال في بيروت برنامج عملها للمرحلة المقبلة. وفيما كان الجميع ينتظر هذا الإعلان وكثيرون يحسبون أنه سيكون علامة فارقة في الحياة السياسية، جاء وثيقة يمكن تسميتها تمهيدية، مفعمة بلوم المعارضة، وتفصل كالعادة بين «ثقافتي» الحياة والموت في طباق لفظي رتيب (الوصل والفصل، السلام والعنف). ورأت الوثيقة التمهيدية أن أساس التحرك لأي عمل مقبل هو الثورة في المفاهيم الثقافية «لإرساء ثقافة السلام والوصل في حياتنا الوطنية». وبالتالي فإن مستقبل لبنان وقوى 14 آذار سيقوم على تأمين الوحدة الوطنية عبر بناء دولة مدنية بالاستناد إلى وثيقة الطائف. ومن الضروري كذلك أن يحصل التعاون مع كل دول الاعتدال العربي الصديقة لمواجهة الإرهاب والتطرف. ومن الأهداف المستقبلية لقوى 14 آذار تطبيع العلاقات مع سوريا، إضافة إلى تنظيم وضع الفلسطينيين في لبنان ورفض توطينهم. لم تأتِ الوثيقة على ذكر أي تفصيل دقيق اقتصادي أو اجتماعي، عدا إشارة تساؤلية في الختام عن الحملة الشرسة التي يتعرض لها لبنان في الأعوام الثلاثة الأخيرة وهل هي بسبب تحسين حالة الكهرباء!
أما إعداد الوثيقة السياسية النهائية، فإلى بداية الصيف، وذلك بعد القيام بخطوات أهمها مؤتمران للطلاب والشباب وآخر لقوى الاغتراب كي يدلوا بدلوهم في مستقبل الدولة. وذلك من المفترض أن يكون خلال أسابيع. المكونان الآخران لترتيب البيت الآذاري سيكونان مجموعتي ورش عمل، الأولى مفتوحة للجمهور والأخرى مغلقة. ورش العمل المخصصة للجمهور ستكون ذات توجه سياسي فكري، وفي المقابل فإن الورش الداخلية ستتركز على تفعيل التعاون وتنسيقه بين القوى في مختلف المجالات، إذ ستوضع آلية داخلية دائمة للتقويم والمراجعة، واستراتيجيا إعلامية، إضافة إلى وضع برامج قطاعية للتنسيق والتعاون واستحداث شبكة تعاون وتفاعل مع المجتمع المدني غير المنخرط في العمل الحزبي المنظم. أما ورش العمل الخارجية وتحديداً ورشة «نحو اقتصاد حديث وعدالة اجتماعية»، فهدفها الخروج من اقتصاد الزبائنية. وأخيراً يأتي إحياء اتفاق الهدنة في صلب ورشة لبنان والعالم.
أين أصبحت خريطة الطريق الآذارية اليوم؟
بعد التأخر في إطلاق ورش العمل مدة شهر. بعد «ربيع بيروت» حدد 13 نيسان لبدء العمل الأكثري، بما يربط إطلاق ورش العمل بأكثر يوم مأسوي في التاريخ اللبناني الحديث.
من جهتها، لم تكن المعارضة ديموقراطية، إذ لم تقرر استطلاع اللبنانيين المعارضين بشأن وثيقتها السياسية المنتظرة. وسبقت المعارضة قوى 14 آذار بتسريبها لمعلومات عن شكل التنظيم المقبل، فسرت في الصحف أحاديث عن استحداث مؤتمر عام، مجلس وطني وقيادة سياسية. هذا التنظيم سيبصر النور بعد إقرار الوثيقة وتنظيم مؤتمر يعلن بدء الشكل الجديد للمعارضة. هذا الشكل التنظيمي المتطور الذي يشبه ما عرفته فرنسا مع الـRPR قبل أن يدفنه الرئيس شيراك، يوحي أن الأمور أكثر من «على ما يرام» بين أطراف المعارضة. فالمؤتمر العام المرتقب سيضم، مبدئياً، كل تيارات المعارضة وأحزابها على اختلاف مشاربها رغم تناقضاتها الكبيرة أحياناً، حيث سيجتمع التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي وحركة التوحيد الإسلامي وحزب الإتحاد في بوتقة عمل تجتمع دورياً لتضع الخطط والمشاريع. وسبقت المعارضة قوى 14 آذار بأن أعلنت أن للموضوع الاقتصادي والاجتماعي حيزاً كبيراً في وثيقتها العتيدة متحسسة هموم الشعب الذي يرزح تحت وطأة الغلاء الوحشي.
«لم نطرح الموضوع نحن»، هذا جواب مسؤول العلاقات الخارجية في التيار الوطني الحر جبران باسيل عن التحول المؤسساتي لدى المعارضة. ويؤكد أن التيار يريد المحافظة على التنوع داخل المعارضة وفي لبنان ككل، ومن غير الضروري أن تتحول المعارضة إلى كيان موحد، وبالتالي فهي تبتغي مجرد الوصول إلى إطار تنسيقي لا التنظيم الرسمي، «فالمرحلة تتطلب رص الصفوف والتنسيق الفعال والمناسب للظروف وحاجاتها». ويضيف باسيل إن لدى كل حزب وتجمع سياسي في المعارضة أفكاره وبرامجه ويجب إيجاد نواح تطبيقية لبلورة الرؤية السياسية والأفكار المشتركة. وهو يرى أن الأولوية هي للحفاظ على استراتيجيا سياسية موحدة.
تأخر المعارضون في إطلاق موقف حاسم ونهائي عن وثيقتهم أو تحديد موعد ثابت للمؤتمر الموعود وما سيتبعه من خطوات. ربما بانتظار إخوانهم الآذاريين الموالين وما ستسفر عنه ورشهم. ولم يُعرف بعد عدد أعضاء لجنة المتابعة المسؤولة عن التحضير للوثيقة ومدى صلاحياتهم في ظل شائعات لا تنتهي عن خلافات بين الأحزاب على من يتمثل داخل اللجنة وفق الأحجام الواقعية.


التنوير السياسي
يعتمد لبنان التدوير السياسي وبصورة شبه دائمة (Recycling)، إذ يتغير الحلفاء والخصوم موسمياً ويتحول بعضهم إلى «أعدقاء».
ولم يعرف الثبات السياسي في التحالفات إلا في الأعوام الثلاثة الأخيرة حيث انقسم المشهد السياسي اللبناني صورتين منذ انتهاء الانتخابات النيابية في حزيران 2005، فلم تحصل تبدلات تذكر منذ ذلك الحين، سوى تغيير عدد قليل من النواب خياراتهم السياسية.
واجتمعت المستحيلات تحت سقف واحد، فضمت كل من المعارضة والموالاة أطيافاً متناقضة في كثير من الأحيان، مما جعل المراقبين ينتظرون انفجارها، الذي لم يحدث بعد رغم ظهور خلافات إلى السطح من وقت إلى آخر بين حلفاء الصدفة والمصلحة.