strong>ثلاثة عقود قضاها سمير القنطار متنقّلاً بين الزنازين يتولّى، مساء غد الأحد، سرب نوارس بيضاء وزورق وشموع، نقل تحية وابتسامة منه وإليه على خط المعلية ــ هداريم من حيث انطلق إلى فلسطين بحراً إلى حيث رسى أخيراً
صور ــ آمال خليل
«لو حكينا ... نبتدي منين الحكاية؟» ربما ليس عبثاً أن تكون تلك أغنية سمير القنطار المفضلة، ليس لأنها تعيده إلى مرتع الطفولة الشقية في عبيه مع أخيه عبد الله فحسب، بل لأن عنوانها هو السؤال الذي يطرحه كل من يفكر في البحث في سيرة نضاله مذ كان في العاشرة من عمره. كأن ذلك الفتى (46 عاماً) كان أباه الوطن وأمه الأرض حتى يحمل همّ جميع المظلومين في الدنيا ويتكّفل تحرير أراضي العالم المحتلة والانخراط في كل حركات التحرر والمقاوم ومنها فلسطين «حبيبته الأولى والوحيدة الساكن في ضلوعها بإيجار أبدي منذ ثلاثين عاماً والتي من عشقه لها حاول الوصول إليها مقاتلاً في سبيلها من الأردن وجنوب لبنان». يضحك سمير طويلاً حينما يقترح الإسرائيليون عليه إعلان الندم عن مشاركته في عملية أدت إلى مقتل وجرح 12 عسكرياً ومستوطناً بينهم عالم الذرة دان هاران والرقيب إلياهو شاهار وقائد قطاع الساحل في الجيش الإسرائيلي الجنرال يوسف تساحور، وذلك بعد ثلاث ساعات من الاشتباكات المستمرة من ليل 22 نيسان 1979 التي أصابته بخمس رصاصات، منها واحدة لا تزال مستقرة في رئته التي تصدح مراراً «لن أعلن ندمي ولو متّ في السجن». ويضحك من غضب ضباطهم من صلابته وسؤالهم عن «مكوّنات جبلته الإنسانية ومقاديرها». لا يسعه بعد الضحك
منهم سوى أن يجيب: «مقاومة».
لم يكتفِ سمير بالتفرّج على المقاتلين وهم يتدرّبون في الحرج المجاور لبيته، بل طلب منهم ومن سواهم ضمّه إلى صفوفهم، لكنهم رفضوه لصغر سنه فيما لم ييأس هو من الإلحاح إلى أن تجنّد في المقاومة الشعبية المسلحة ضد الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، علماً بأن موعد اعتقاله أو استشهاده قد تأجّل مرات عدة، رغم محاولاته، ليصدّق ما استعجل وكتب فوق سريره تحت صورته «الشهيد سمير القنطار». وعن السجن في الأردن يقول إنه «بألف سنة اعتقال في إسرائيل لأن سلطات ذلك البلد العربي سجنتني 11 شهراً في زنزانة صغيرة لمحاولتي الثانية تنفيذ هجوم ضد الجيش الإسرائيلي في 31 كانون الثاني 1978 بعد فشل المحاولة الأولى قبلها بسبعة أشهر». إنما هيهات أن يمنعه عن المقاومة السجن الذي «منحه فرصة كافية للتخطيط الهادئ للعملية الجديدة» ضد القاعدة العسكرية في مستوطنة نهاريا بهدف أسر جنود إسرائيليين لمبادلتهم بأسرى سبقوه إلى السجون الإسرائيلية. فبعد عودته إلى لبنان بأربعة أشهر تركه مجدداً إلى فلسطين.
يحسم سمير «بألّا يظنّن أحد أن زيت المقاومة المسلحة قد يشحّ في قنديله يوماً، إذ لا قيمة لحريته المحتومة، بعيداً عنها لشعوره بأنه لم يسدّد واجبه تجاهها كفاية».
عند السادسة من مساء غد، تستعيد لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين في السجون الإسرائيلية في الذكرى الثلاثين لاعتقاله طريق الحرية التي نقشها القنطار على سطح البحر على خط المعلية ـــــ نهاريا وتتجمّع عند الشاطئ الواقع في بلدة دير قانون رأس العين (قضاء صور) الذي انطلق منه قائداً لرفاقه في زورق لتنفيذ عملية «جمال عبد الناصر». وعند شاطئ البحر الذي سرق منه عمراً بحد ذاته بين الجنوب والأرض المحتلة، ستضاء الشموع لذكرى رفيقيه اللذين استشهدا خلال العملية عبد المجيد أصلان ومهنا سالم المؤيد وتكتب اسم سمير بالشموع على نية حريته وترسل زورقاً يحمل اسمه وصورته وطيفه تتبّعاً لخطواته علّه يعيده إلى بر الحرية مجدداً ولو فتى أربعينياً بعدما أفنى أجمل ثلاثين من عمره خلف القضبان.