strong>بات من المألوف سماع خبر دوي انفجار قنبلة صوتية في وطى المصيطبة، «رماها مجهولون فروا إلى جهة مجهولة». ووسط الانقسام الذي تعانيه أكثر من منطقة لبنانية، يرمي كل طرف بالمسؤولية على «الآخر»، مع عدم استبعاد فرضية «الطرف الثالث»
رضوان مرتضى
يعيش أهالي منطقة وطى المصيطبة على وقع القنابل الصوتية التي يلقيها «مجهولون» بمعدل يزيد على قنبلة واحدة كل أسبوع. ويمكن زائر المنطقة الواقعة بين مبنى نقابة المهندسين جنوباً حتى شمال مركز الحزب التقدمي الاشتراكي تحسّس ارتفاع النبرة الطائفية بين عدد كبير من أبناء المنطقة. فتكاد بين السكان تختفي أسماء الأحزاب، ليحل مكانها تعبيرا «الشيعة» و«الدروز». فهذه المنطقة ذات الغالبية السكانية الدرزية التي تخالطها أقلية شيعية (نحو 45 عائلة معظمها من أبناء الجنوب) كان أبناؤها يعيشون جنباً الى جنب منذ أكثر من ستين عاماً. لكن بعد أحداث الجامعة العربية في كانون الثاني 2007، صارت الإشكالات والتوترات الخبز اليومي لسكان المنطقة، وفرز معظم أبناء المنطقة أنفسهم سياسياً، وفي كثير من الأحيان طائفياً، بين أقلية شيعية يؤيد أكثر أبنائها «حزب الله» و«حركة أمل»، وأكثرية درزية يناصر معظمها «الحزب التقدمي الاشتراكي».
أكثر من التقتهم «الأخبار» من سكان المنطقة يعيدون التوترات إلى ما حصل يوم أحداث الجامعة العربية، ومقتل الشاب عدنان شمص في المنطقة، قرب محطة الزهيري. ويتهم مناصرو «حزب الله» و«أمل» عناصر من الحزب الاشتراكي بإطلاق النار على حيّهم الذي لا تزيد مساحته على ثلاثة آلاف متر مربع، «بهدف إرهاب أهل الحي ودفعهم إلى المغادرة او إخضاعهم لسيطرة الحزب المذكور» على حد قول أحد أبناء المنطقة. يضيف آخر إنه كلما كان هناك خطاب لأحد قادة الموالاة استنفر شبان الحي «أمنياً» ظنّاً منهم أن هناك من سيحاول الاعتداء على حيّهم. ويذكر أحدهم: «في أحد خطابات سعد الحريري دخل شبان من الشارع المقابل إلى الحي وحاولوا إزالة صورة السيد موسى الصدر، لكننا استطعنا منعهم لأننا كنّا جاهزين».
من ناحية أخرى، يؤكد مؤيدون للحزب التقدمي الاشتراكي أنهم لا يريدون سوى أن تكون العلاقة طبيعية بين أبناء المنطقة الواحدة، وينفون ما ينسبه إليهم جيرانهم. ويؤكد أحدهم أن الحزب يعمل بكل جد لفضّ أي إشكال في حال حدوثه ويبادر الى مصالحة المتخاصمين، وخير دليل على حسن النية أنه أزال كل ما من شأنه أن يمثّل استفزازاً لجيراننا من صور وأعلام، بناءً على قرار صادر عن رئيس الحزب النائب وليد جنبلاط.
وبين الاتهامات المتبادلة، تسارعت الأحداث منذ بداية الشهر. ويُرجع أحد أصحاب المحال في الشارع القريب من مركز الحزب الاشتراكي شرارة التوتر إلى قيام عدد من الشبان بالاعتداء بالضرب على شيخ من الطائفة الدرزية، بعدما طلب منهم إزالة صورة للشهيد عماد مغنية كانوا قد علّقوها على باب منزله. الأمر الذي أدى الى تأزم الوضع بين الطرفين نتيجة ما يمثله الشيخ من رمزية الموقع الديني. وللملمة الوضع اضطر الأخير إلى مغادرة الحي تنفيساً للاحتقان، ومنذ ذلك الحين والانفعال سيّد الموقف.
في المقابل، يبدأ أحد قاطني الحي الصغير، الذي يؤيد معظم سكانه «حزب الله» وحركة أمل، رواية ما جرى منذ الأول من نيسان، «عندما حاول مجهولون إحراق محل تعود ملكيته إلى آل المخزوم، وبعدها بيومين جرى تبادل لإطلاق النار أمام مبنى الضمان بين شباب من مؤيدي أمل وحزب الله كانوا يجلسون هناك، وثلاثة شبان كانوا يستقلون سيارة كاديلاك بينهم المدعو ر. ز. الذي سبق أن أوقف في قضية مقتل عدنان شمص. في هذه المرة تمكّن الجيش من توقيف اثنين من مطلقي النار الذين كانوا في السيارة وأحد شبان الحي. وفي مساء اليوم نفسه ألقيت قنبلة تضررت جرّاءها سيّارة تعود إلى ثروت الجمل. وكل يومين أو ثلاثة أيام كان هناك قنبلة، وفي إحدى المرّات ألقيت قذيفة إنيرغا سقطت على سطح مبنى داخل الحي، ولم يُلقَ القبض على أحد».
يذكر شبان من الحي «أنه بعد خروج الموقوفين من السجن جُمع المتخاصمون، وعُقد صلح بينهم، وخرجنا على اعتبار أن المياه قد عادت إلى مجاريها، لكننا فوجئنا باحتراق سيارة في الليلة نفسها التي جرى فيها الصلح، وتعود السيارة إلى عم الشاب الذي كان موقوفاً. معنى ذلك أنهم لا يريدون الصلح. غالبية سكان الحي باتوا مقتنعين بوجهة النظر هذه»، يؤكد الشاب الذي شارك في أكثر الخلافات المذكورة.
مصدر أمني مراقب لأحداث وطى المصيطبة قال لـ«الأخبار» إن القنابل الملقاة على المنطقة «ليست عشوائية، ولا تستهدف مكاناً واحداً، بل يجري انتقاء الأمكنة التي ستُلقى عليها بشكل مدروس. فهي مرة ترمى على الحي الشيعي، وفي المرة الأخرى ُتلقى قريباً من مقر الحزب الاشتراكي، الأمر الذي يعزّز فرضية أن يكون هناك طرف ثالث لا يريد أن يتصالح المتخاصمون، وهو يعمل بجدّ على تأجيج المشكلة، مستفيداً من الانفعال والتوتر القائمين بينهما». ويرجّح المصدر الأمني أن يكون الطرف الثالث قد أرسل من «أحرق السيارة بهدف إيقاع الصدام وفض الصلح، فهو بمثابة المختبئ بين رَجُلين، مرة يرمي الأول بحجر وفي المرة الثانية يرمى الآخر بحجر أيضاً ليجرّهما إلى التقاتل، وكل منهما يظنّ أنه على حقّ في قتاله».