لم يعد النائب بطرس حرب يطرح اسمه مرشحاً، مؤازراً حلفاءه في تأييد انتخاب قائد الجيش رئيساً توافقياً لديموقراطية لبنانية أسوأ ما بات فيها أنها لم تعد قادرة على الاتفاق على رئيس من صلبها، بل تسلّم بتحدّره من مؤسسة نقيضة. يصحّ ما قاله جورج نقاش عام 1960 إن السياسيين اللبنانيين، عندما يعجزون عن إيجاد حلّ، يلجأون إلى العسكر. اليوم لا يتفقون عليهم حتى

نقولا ناصيف

■ ما بينك وبين قوى 14 آذار خلاف أم تمييز في المواقف؟
ــ ليس هناك خلاف. في العمل المشترك هناك مبادئ. في بعض المحطات لم تُحترم هذه المبادئ، لذلك عَدَدت نفسي غير ملزم ولا القرارات تعنيني، واتخذت القرارات التي يمليها عليّ ضميري. هناك أيضاً طريقة التعبير عن بعض المواقف لا أريد أن تصدر باسمي إذا لم أكن موافقاً عليها. المسألة ليست شكلية. في بعض الفترات يصدر كلام باسمي بوصفي عضواً في 14 آذار، وأنا لست مطّلعاً عليه. طبعاً هناك ثقة متبادلة في ما بيننا، وليس الأمر عدم ثقة، بل مدى انسجامي كشخص يتعاطى السياسة في إعلان المواقف مع ما أؤمن به وكيفية إخراج هذه المواقف، لأن السياسة ليست مجرد مواقف بل أيضاً حسن إخراجها وتقديمها إلى الرأي العام الذي هو الحكم الأساسي في الحياة الديموقراطية. وإذا أحسنت التعامل مع الرأي العام بأن قدمت موقفاً بالشكل الملائم، فأنت تربح معركتك لديه.

■ هل وصلت 14 آذار إلى مأزق داخلي وسياسي كأنها مثلاً استنفدت قدراتها؟
ــ لا، ليس لديّ هذا الشعور، بل أجد أن الوضع الحالي لـ14 آذار في المواجهة السياسية أفضل من وضع 8 آذار، وإذا كان هناك بعض التذمّر فليس من منطلق سلبي بسبب اختلاف المواقف، بل من منطلق تصميم الأعضاء الذين ينادون بوجوب تحسين العمل. في أي حال، إن المبادئ العامة التي جمعتنا، كالسيادة والاستقلال والنظام الديموقراطي والعدالة، نحن نلتزمها، حتى وإن لم نكن في 14 آذار. لكن إذا نجحنا في تنظيم العلاقة بين هذه المبادئ وآلية العمل فهذا أفضل. ليست هناك خلافات ولا تناقضات.

■ بعد نجاحات السنتين الأخيرتين لـ14 آذار، بدأت في الفترة الأخيرة، وبعد الفراغ الرئاسي في خسارة عدد من الرهانات حيال الطرف الآخر، هل مرد ذلك إلى المسألة الرئاسية؟ وهل تعزو التذمّر الذي تحدثت عنه إلى هذه المسألة؟
ــ في رأيي إن 14 آذار ارتكبت في موضوع الرئاسة خطأً سياسياً، لا خطيئة سياسية، لأنها قبلت بربط انتخاب رئيس جديد للجمهورية باتفاق سياسي، وتالياً القبول، وإنْ بصورة غير مباشرة عندما وافقت على هذا المبدأ، بأن لا تجري الانتخابات الرئاسية إذا لم يحصل الاتفاق السياسي. أما السبب فهو أن 14 آذار عجزت عن تأمين النصاب الذي تمسّك به الرئيس نبيه بري لانتخاب الرئيس الجديد. وتالياً شعرت بحاجة إلى التوافق خوفاً منها على البلد. طبعاً كان هناك أكثر من رأي في كيفية التعاطي مع هذا الموضوع، إلا أننا اكتشفنا في ما بعد أن النيّات تعطيلية وليست لتسهيل انتخابات الرئاسة. كنّا ميّالين إلى البحث عن حل، ولكن بعدما اكتشفنا أن الأمر هو عوض أن يكون حواراً عقلانياً لإيجاد ما يمكن أن نتفق عليه، أصبح سلسلة من المطبات والشروط المعرقلة لإجراء الانتخابات، بدأت تعلو أصوات وأنا منها، بأنه يجب تعليق الحوار ورفض مبدأ ربط انتخابات الرئاسة بنجاح الحوار. هناك استحقاق دستوري هو انتخاب رئيس للجمهورية يجب أن يجري حتى وإن حصل في جوّ خلافي على الشخصية. لكن ـــــ والحمد لله ـــــ حصل اتفاق على مرشح توافقي هو العماد ميشال سليمان فلنذهب إلى انتخابه إذاً وهو بعد ذلك يتولّى إدارة الحوار الوطني. رفضت الاستمرار في هذا الحوار والمراوحة في مكانه، لأننا كلما اقتربنا من حل قضية تطلع لنا شروط جديدة على نحو ما حصل في الجولة الأخيرة من الحوار في حضور الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى عندما صدرت شروط جديدة. الآن بسبب هذا الحوار صرنا شركاء في تعطيل النظام وضربه. ولذلك دعوت إلى تعليق ذلك الحوار. وبلغت آنذاك مرحلة التحفّظ والابتعاد قليلاً بعد إعلاني هذا الموقف، واليوم الجميع يردد هذا الموقف وكأن 14 آذار اقتنعت بصوابه وهو أن أهداف المعارضة تعطيل انتخابات الرئاسة. وهذا هو الموقف المبدئي الذي يجب أن نبقى عليه. ومَن يرِد تخريب البلد وتعطيله فليتحمل المسؤولية.

■ ألا يتعارض ذلك مع المبادرة العربية التي تحدثت عن حل متكامل للأزمة الرئاسية؟
ــ في لبنان بتنا نعمل خلافاً للمنطق. الهدف هو المبادرة العربية أم انتخابات الرئاسة، وألم يعد في وسعنا إجراء اتفاق سياسي خارج المبادرة العربية؟ المبادرة وسيلة وليست غاية ولسنا أسرى هذه المبادرة. أفسحنا في المجال أمام كل المبادرات العربية والدولية تسهيلاً للوصول إلى اتفاق، لكننا لمسنا أن هذا الحوار صار ابتزازاً مستمراً، ومن غير المسموح مثل هذا الاستمرار. وأنا كلبناني وديموقراطي ومسيحي أرى أن ما يجري اليوم هو الاعتداء على المركز المسيحي الأول في الدولة اللبنانية وعلى الدستور ولبنان الواحد وتعريضه للخطر. لا يجوز الاستمرار في هذا الجو من الشروط المعقّدة لشؤون الناس ومستقبل البلد ومؤسسات الدولة ومصالح المواطنين وحياتهم. طرح الرئيس بري في 31 آب الماضي في بعلبك مبادرة لا أزال أراها صالحة، رغم أنني ضد ربط الانتخابات الرئاسية بأي شرط ومع الرفض المطلق لأي مبادرة تعتمد مثل هذا الربط. قال الرئيس بري لا لانتخاب رئيس بنصاب النصف الزائد واحداً من الأكثرية، ولا لتأليف حكومة ثانية من الرئيس إميل لحود والمعارضة، وأن يصار إلى الاتفاق على رئيس توافقي كي يُنتخب. توافقنا على العماد سليمان فلننتخبه.

■ لكن الرئيس بري طرح المبادرة قبل الفراغ الدستوري؟
ــ وإن قيل قبل الفراغ، ألا تصلح لمعالجة المشكلة اليوم، إلا إذا كانت للمعارضة شروط أخرى بغية ابتزاز البلد من خلال الفراغ الدستوري؟ نريد أن نعرف ما هو هدف المعارضة. ألا تريد رئيساً معتدلاً تثق به؟ نحن في الأكثرية نثق بالعماد سليمان. أما إذا كان هدف المعارضة هو أن تعمد إلى ابتزاز أكبر لأن الفراغ الرئاسي وقع فهذا أمر خطر. ولستُ أعرف إذا كانت المعارضة متفقة على موقف واحد بعد تضارب المواقف بين الرئيس بري والعماد عون، وبين العماد عون وحزب الله، وبين سليمان فرنجية والعماد عون. كل يوم هناك شرط جديد ومطلب جديد. في مرحلة المبادرة العربية قيل بمناقشة حل الـ3 عشرات، فاعترض العماد عون خلافاً للرئيس بري صاحب هذا الاقتراح، وبات يريد معرفة كيفية توزيع مقاعد الحكومة والحقائب السيادية والخدماتية وكيفية حصول رئيس الجمهورية على وزرائه العشرة. هذه شروط مستحيلة. فإمّا نحن في ظل نظام ديموقراطي برلماني له أسس ينبغي التزامها لئلا نشكل سوابق للمستقبل، وإمّا نحن في مزرعة سائبة لتأمين مصالح هذه الفئة أو تلك. أنا أعارض استمرار الحوار الآن في ظل الظرف الحالي. ما أقوله هو علّقوا الحوار على أن يصار إلى إعادة إطلاقه بعد انتخاب رئيس للجمهورية.

■ هل لا يزال العماد سليمان مرشحاً صالحاً؟
ــ في منظورنا نحن في 14 آذار، نعم. يكفي أن تقول المعارضة إنها مستعدة لانتخابه حتى نذهب جميعاً إلى ذلك. نحن نرى أن العماد سليمان يتمتع بمواصفات تؤهّله للاتفاق عليه، وخصوصاً إذا أحاط نفسه بفريق عمل جيد. فهو يتمتع بأخلاقية وآدمية وطنية وقادر على النجاح. كذلك نرى أنه يصلح حلاً. وسيكون من الأسهل على الجميع إذا استمر العماد سليمان في ترشيحه من أن نتوافق مجدداً على شخصية أخرى. وأنا اعتقد أن الظروف لا تزال قائمة حتى بعد كل الذي جرى، وهي ظروف مرجّحة، لانتخابه أكثر من أي مرشح آخر.

■ وإذا ذهب إلى التقاعد؟
ــ ليس بالضرورة أن تقاعده يعطّل ترشيحه. قد يكون له تأثير. أهمية العماد سليمان أنه قائد للجيش، ولذا توجّهت الأنظار إليه. وعندما لا يعود قائداً للجيش، فإن ذلك لا ينفي عنه صفاته الشخصية كميشال سليمان وإن هو لم يعد قائداً للجيش، ويظل يُنظر إليه مرشحاً توافقياً على تماس كبير مع المؤسسة العسكرية التي نراهن على أنها الضامن لوحدة لبنان وأمنه. ما أريد التأكيد عليه هو أنه إذا وافق اللبنانيون على اعتماد هذا الأسلوب، أي الحوار السابق لانتخاب رئيس الجمهورية، وإذا وافقت أنا والأكثرية على ذلك، فلن نكون قادرين مستقبلاً على انتخاب رئيس للجمهورية إلا بعد مخاض عسير وبعد تعرية رئيس الجمهورية من صلاحياته وبعد التفتيش عن شخصيات سياسية لا تحمل أيّاً من المواصفات الرئاسية. لذلك أرى الأمر سابقة خطيرة لن أسمح بتسجيلها عليّ في تاريخي السياسي، لأنها تدمّر تركيبة لبنان ووحدته، وخصوصاً شخصية رئيس الجمهورية الماروني في التركيبة الدقيقة التي أتحدث عنها ولن أشارك في ذلك إطلاقاً. أنا إنسان محاور وأنشد الحوار دائماً لأن سرّ بقاء لبنان هو الحوار وقبول بعضنا بالبعض الآخر وحوارنا الدائم والمتفاعل إيجاباً. أرفض أي حوار يُربط بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتقييد الرئيس بشروط وشروط مضادة، ويكون نتيجة تسوية ما لا نريدها. أرفض ذلك ديموقراطياً ودستورياً وأرفضه كمسيحي، وأرفض ربط الانتخاب بنجاح هذا الحوار، لأننا سنكون عندئذٍ جميعاً في خطر، والدولة اللبنانية كذلك، لأنه لن يكون لها رأس.

■ حجة المعارضة أن انتخاب الرئيس قبل اتفاق سياسي يضع المبادرة في يد الغالبية التي تأتي بمَن تشاء رئيساً للحكومة وبأي حكومة تريدها لكونها تمثل الأكثرية النيابية؟
ــ هذا غير صحيح. إذا كانت هناك ثقة برئيس الجمهورية، فإن الأخير يملك صلاحية تريد المعارضة أن تتذكرها وأن تنساها ساعة تشاء، وهي أنه صاحب صلاحية توقيع مرسوم تأليف الحكومة. ومن دون توقيعه لا تتألف حكومة جديدة فيها غلبة لفريق دون آخر. لكن ما أفهمه من هذا الموقف هو إعلان المعارضة عدم ثقتها بميشال سليمان.

■ وماذا عن القائلين بأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تستمر؟
ــ الذي يقول كلاماً كهذا يجهل الدستور اللبناني برمته، وكذلك القواعد الدستورية. بقاء الحال على ما هي عليه يسمح لحكومة الرئيس السنيورة بأن تحكم البلد، وإذا شاءت ـــــ لا سمح الله ـــــ أن تتحكّم بالبلد. وهذا ما تشكو منه المعارضة. أما انتخاب العماد سليمان فيؤدي إلى إسقاط الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال بالمعنى الضيق للكلمة وغير قادرة على الاجتماع وإصدار قرارات ومراسيم. وهذا ما تعرفه المعارضة، أو على الأقل قسم منها، ويتصرف كأنه يتجاهله. للتخلص من حكومة الرئيس السنيورة هناك وسيلة واحدة هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية. المعارضة ترتكب بهذا التصرف خطأً كبيراً وجسيماً في حق لبنان.

■ تقول ذلك وكأنك تضع المبادرة في يد اللبنايين فقط في ظل خلاف عربي ـــــ عربي وتحديداً سوري ـــــ سعودي، وكأنك تنفي تأثير سوريا على المعارضة؟
ــ طموحي أن يصبح القرار لبنانياً، فلا يكون سورياً ولا سعودياً ولا أميركياً ولا إيرانياً. هل نحن قادرون على ذلك؟ طبعاً قادرون إذا قرّر اللبنانيون. ما أقوله هو أن البلد يحتاج إلى رئيس للجمهورية، وإذا عرقلت الأكثرية هذا الأمر فسأكون ضدها، والجميع يعرف أن لديّ ملاحظات على دستورية الانتخاب وسيكون لي موقف من ذلك في حينه. وإذا كانت المعارضة تشعر بأن سوريا هي التي تمنعها من الانتخاب فما الذي يمنعها من التحرك والتقدم بشجاعة للانعتاق والتحرر من الضغط السوري إذا صحّ الكلام، فتقبل على مصلحة لبنان لا على مصلحة سوريا ولا السعودية ولا إيران ولا أميركا. لا شك في أن للخلاف العربي ـــــ العربي تأثيراً على الوضع اللبناني، لكن ذلك لا يمنع تولّي اللبنانيين أمورهم إلا إذا استسلموا للقدر ولا يريدون للبنان الانتقال من دولة تابعة لوصاية إلى دولة قد تصبح تابعة لوصايات في ظل الصراعات الإقليمية ولا نعود دولة مستقلة.


لم يشارك بطرس حرب في لقاءي الديبلوماسي الأميركي دافيد ولش بقوى 14 آذار. السبب المعلن اعتذار لارتباط مسبق، والآخر المخفي ملاحظات مكرّرة على طريقة عملها، وتفرّد بعض أعضائها في اتخاذ مواقف تلصق بالآخرين بلا علمهم. ما يطلبه تنظيم العمل الجماعي بين الحلفاء وفق آلية مشتركة تحترم تبادل الرأي قبل صدور الموقف.