طارق ترشيشيليست المعطيات التي حملها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، ديفيد ولش، هي وحدها التي تؤكد أن الولايات المتحدة لا تريد حصول تسوية للأزمة اللبنانية، لكن هناك معطيات أخرى ترشح من بعض العواصم العربية وتستبعد أن تحصل هذه التسوية قبل عام 2010، وبعض المسؤولين فيها لا يسقطون احتمال حصول حرب أو حروب إقليمية، ويقولون إن «شهر أيار (المقبل) هو المعيار»، موضحين أن هذا الشهر إذا مرّ ولم تندلع حروب، فلن تحصل بعده، لأن إدارة الرئيس جورج بوش التي تدخل الأشهر الأخيرة من ولايتها لن تصبح بعدها قادرة، بالتعاون مع إسرائيل، على شن أي حرب على إيران وعلى جبهتي لبنان وسوريا. ويقول مسؤول سابق، تسنّى له الاطلاع على أجواء المحادثات التي أجراها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش مع فريق 14 آذار، إن إدارة بوش تتجه إلى عدم الدخول في أي تسوية على كل الجبهات الإقليمية، من أفغانستان إلى إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وبالتالي توريث كل هذه الملفات «كرات ملتهبة» إلى الإدارة التي ستخلفها في الخريف المقبل، سواء كانت جمهورية أو ديموقراطية، متهرّبة من حقيقة أن دخولها في أي تسوية يعني إقراراً بالهزيمة أمام خصومها.
ويضيف هذا المسؤول مفسّراً الواقع الذي تعيشه «الإدارة البوشية»، فيقول إنها اجتاحت أفغانستان وأسقطت نظام «طالبان»، ولكنها لم تحقق أهدافها، واجتاحت العراق وأسقطت نظام صدام حسين، ولم تحقق أهدافها، وها هي قواتها غارقة في الوحل العراقي. وفشلت في لبنان عندما حاولت إلغاء المقاومة تحت عنوان أنها «جزء من الإرهاب العالمي»، أولاً عبر استصدار القرار 1559، ثم في عدوان تموز 2006، ثم في عرض القوة البحري خلال آذار الماضي عبر المدمرة كول و«أخواتها»، بغية التهويل على المقاومة والضغط على القمة العربية التي انعقدت في دمشق. وفشلت في فلسطين عندما حاولت مع إسرائيل أكثر من مرة تقويض حركة «حماس» وإنهاءها، تارة عبر هجمات عسكرية على قطاع غزة، وطوراً عبر إحداث انقسامات واقتتال في الشارع الفلسطيني. وفي ضوء كل ذلك، يقول المسؤول السابق إن بوش أدرك أنه لن يتمكن من تحقيق أي «إنجاز» أو «انتصار» في أي من هذه الملفات خلال ما بقي من ولايته، ولكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الإقرار بأنه هُزم. ولهذا، فإنه لا يريد سحب الجيش الأميركي من العراق وأفغانستان، ولا يريد حصول تسوية بين السلطة الفلسطينية (محمود عباس) وحركة «حماس»، ولا يريد أن تحصل تسوية بين الموالاة والمعارضة في لبنان.
ويرى المسؤول السابق أيضاً أن واشنطن أدركت أن محاولات الحسم التي قامت بها لم تنجح منذ عام 2004 حتى اليوم، ولذا لا بد لها من الدخول في تسوية مع سوريا وإيران بشأن موضوع المقاومة، وكذلك بشأن العلاقات اللبنانية ــ السورية، وهذا ما لا تريد أن تقترب منه، لأن خصومها سيأخذون عليها «تفاهمها» مع من كانت تسمّيهم «أشراراً وشياطين». ولذا، فإن سياستها تقضي ببقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه، وأن تبقى حكومة الرئيس السنيورة لأنها ترى نفسها هي الحاكمة للبنان من خلالها، لأن أي حل آخر يتطلب منها التفاوض مع الفريق الآخر، وهذا ما لا تريده، لأن أي تسوية تأتي برئيس جمهورية توافقي وحكومة توافقية لن تعطيها أكثر مما تأخذه الآن في ظل حكومة السنيورة. وفي المختصر، إن إدارة بوش تريد توريث هزائمها للإدارة المقبلة.
وإلى ذلك، يتحدث هذا المسؤول السابق عن وجود تلاقي مصالح بين واشنطن وفريق 14 آذار، الذي يحاذر، في رأيه أيضاً، الدخول في تسوية مع فريق المعارضة تظهره مهزوماً. فهو لا يستطيع مثلاً القبول بقانون الانتخاب لعام 1960 لأنه يفقده الأكثرية النيابية التي يملكها حالياً، ولا مانع لديه من بقاء قانون عام 2000 لأنه يمكّنه من هذه الأكثرية، كما كانت حاله في انتخابات عام 2005.
إذ إن الموالاة ترى أن شعبية «التيار الوطني الحر»، بزعامة النائب ميشال عون، قد تراجعت، وأن الفريق المسيحي فيها بات في إمكانه، من خلال قانون الـ2000، أن يهزم عون انتخابياً، أو على الأقل أن يعوّض ما خسره من مقاعد في الانتخابات الماضية.
ولذا، فإن فريق الموالاة يرى أنه لا مصلحة له على الإطلاق بالدخول في تسوية مع المعارضة تفضي إلى اتفاق على اعتماد قانون الانتخابات النيابية لعام 1960، بدليل أن زعيم تيار «المردة»، الوزير السابق سليمان فرنجية، عرض على هذا الفريق قبول المعارضة بانتخاب الرئيس التوافقي في مقابل موافقة الموالاة على اعتماد قانون 1960، لكنها رفضت ذلك، وباتت تفضّل، في رأي المسؤول السابق أيضاً، استمرار حكومة السنيورة، ما دامت ممسكة من خلالها بكل مفاصل السلطة، الأمر الذي يظهر أن الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية يمثّل «الحل المناسب» لواشنطن وللموالاة، في انتظار ولادة الإدارة الأميركية الجديدة في نهاية السنة الجارية.