نيويورك ـ نزار عبودلم تعد أبواب مجلس الأمن مشرّعة أمام فريق الموالاة اللبناني كما عهده، رغم الدعم الغربي والعربي «المعتدل» الذي يحظى به. ومع الوقت تزداد القناعة بأن الحلول العسكريّة التي يشتهيها البعض لن تتخطى دائرة الشهوات التي لا تنظر لا صوب العراق ولا صوب فلسطين لتأخذ العبر. ورغم تزايد الضغوط الفرنسيّة والأميركيّة والسعوديّة والمصريّة لتدويل الاستحقاق الرئاسي، يبدو مجلس الأمن الحالي أكثر تصلّباً من سابقه حيال الوضع في الشرق الأوسط. وذلك بفعل تركيبته الجديدة. فإلى جانب ليبيا وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وفيتنام، ضرب الروس والصينيّون أرجلهم في الأرض. فقد فوجئت فرنسا والولايات المتحدة في مناقشة تقرير القاضي دانيال بلمار بشأن التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أسبوعين، بأنّ مندوب روسيا أشهرَ موضوع الاعتقال التعسّفي للضبّاط الأربعة، رغم التوقعات بأن تحرك جنوب أفريقيا هذا الملف. وعلمت «الأخبار» أن التعليمات وردت مباشرة من الخارجيّة الروسيّة في موسكو، ولم تنبع من مبادرة شخصيّة للمندوب الروسي في مجلس الأمن.
وبعد إثارة الموضوع علناً في المجلس خلال الجلسة المفتوحة، طرح مندوبو جنوب أفريقيا وإندونيسيا وليبيا الأمر على بلمار، وطالبوه بتقرير مفصّل عن مشاوراته مع المدعي العام التمييزي في لبنان بعد رجوعه ثانية من بيروت. أمّا الأمانة العامة، فلا تزال تنكر تلقّيها رسالة اللواء جميل السيد عبر مكتب المحاماة، تماماً كما فعل مكتب بان كي مون برسائل الرئيس إميل لحّود قبل عام.
كذلك كانت الصين المعرقل الأول للبيان الرئاسي الفرنسي المتعلّق بتطبيق القرار 1701، مدعومة من الدول عينها. وظلّ المندوب الصيني يعارض فكرة البيان إلى آخر لحظة بعد مرور أكثر من شهر على صدور التقرير.
وفي النهاية، قبل بصيغة لا تتعدى إطار العموميات، ليُصدر المجلس أضعف بيان في تاريخه بشأن لبنان، بيان لا يتعدّى ثلاث عبارات: دعم تقرير الأمين العام، دعم عمل قوّات اليونيفيل، دعم قرار مجلس الأمن 1701، دون أن يطالب بدعم الحكومة اللبنانيّة.
من جهة أخرى، يتلقى مجلس الأمن الدولي في هذه الظروف تقرير تيري رود لارسن الذي ينسّق مع واشنطن وباريس منذ شهرين بشأن خطة لعقد مؤتمر دولي بخصوص لبنان. والتقرير المتعلق بتطبيق القرار 1559 يفترض أن يحذّر من زيادة التسلح في لبنان من كل جهة، مع التركيز على مخاطر تفلّت الأمور بسبب ضعف سيطرة الدولة نتيجة التأخير في انتخاب رئيس. وسيتحاشى لارسن اتهام المعارضة مباشرة بالعرقلة، لكنه سيترك لقارئ التقرير استنتاج الأمر من خلال السياق وطريقة تشخيصه للأوضاع. ومن المتوقع أن يركّز على سلاح المخيمات وقواعد الجبهة الشعبيّة القيادة العامة في المنطقة الحدودية العازلة.
لارسن الذي دخل مؤخراً في «مواجهة» مع الأمين العام بسبب تفرده في المواقف والتحرّك نحو المؤتمر دون التنسيق معه، خرج منها منتصراً بفضل الدعم الأميركي ـــــ الفرنسي ـــــ السعودي. وعليه، فإن تحركه التالي سيكون نحو المؤتمر الدولي الخاص بلبنان الذي تأخّر الإعلان عن تفاصيله والدول التي ستحضره، وإن كانت الأمانة العامة ستنأى بنفسها عنه في المراحل الأولى بانتظار معرفة فرصه في النجاح.
ويقول أحد الدبلوماسيين إن الدعوة إلى مؤتمر تحضره روسيا والصين سيفضي إلى صدور بيان ملطّف لا يمنح الموالاة في لبنان ما ترجوه من «مصل». ذلك أن موسكو وبيجينغ تقفان على مسافة واحدة من الموالاة والمعارضة، وترفضان أيّ حلول لا تنسجم مع الدستور ومع مبدأ التوافق والحوار الداخلي اللبناني. وإذا عقد المؤتمر من دون روسيا والصين، فإنّ التوصيات التي ستصدر عنه ستكون عديمة الفائدة من الناحيتين المعنويّة والسياسيّة بالنسبة إلى فريق الموالاة. فالدعم الغربي مع بعض الدعم العربي، لا يمنح أحداً شرعية كافية.
ويضيف الدبلوماسي إن الوضع اللبناني سيبقى في الثلاجة. فالسعي الدبلوماسي عن طريق التفرد بحلول لطرف واحد وصل إلى طريق مسدود. أما الحلّ العسكري، فأُفقه أكثر انسداداً نظراً لما وصفه بـ«تحول أكبر هدفين للحرب الأميركية في الشرق الأوسط إلى عبء ورادع. وباتت هراوة المحكمة الدوليّة مثار سخرية بعد فضيحة إخفاء الشاهد المتهم محمد زهير الصديق».
لكن التجميد للوضع اللبناني معناه أيضاً تعطيل الحلول. فالولايات المتحدة التي فقدت المبادرة في المنطقة، باتت تؤدّي دور المعطّل للحلول على كل الساحات. فالحل في أي ساحة سيرتدّ، سلباً أو إيجاباً، على بقية الساحات.