رغم كون المخافر من أبرز صلات الوصل بين المواطن والدولة، يقع معظمها في مبانٍ لا تليق بهذه المهمة. وقد اعتمدت مؤسسة الشرطة تصميماً نموذجياً للمخافر تنوي تعميمه فور توافر الأموال اللازمة، والبداية في مدينة بعلبك
بعلبك ــ عبادة كسر

من المنتظر أن تتسلّم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي منتصف أيار المقبل «البناء النموذجي» لفصيلة درك بعلبك ومخفر المدينة. ويأتي هذا البناء النموذجي بعدما قررت المديرية العامة اعتماده وتعميمه على مختلف المناطق اللبنانية، إذ بوشر العمل بمخططات البناء النموذجي في أكثر من عشر بلدات، يقع معظمها في البقاع الشمالي كدير الأحمر وبيت شاما وشمسطار واللبوة وعرسال وبدنايل، حيث وهبت معظم بلديات المنطقة أراضي خُصصت لبناء المخافر المذكورة.
المخفر الجديد قيد الإنشاء سيَخلِف المخفر الحالي «المهترئ». فهو موجود في الطبقة الأولى من السرايا التي تتوسط مدينة بعلبك، ويقتصر على غرفتين عمرهما من عمر السرايا، وتفتقران إلى أدنى مقومات الشروط الصحية. أما حماماته فلا يختلف حالها عن حال الغرفتين، فضلاً عن عدم اتساع مبنى المخفر للمكاتب من جهة، وفقدان أي خصوصية أو سرية في العمل نتيجة اكتظاظ السرايا بالمواطنين لكثرة الدوائر الرسمية الموجودة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم مباني المخافر في منطقة بعلبك ــ الهرمل هي مبانٍ مستأجرة، ولا تتوافر فيها المزايا المطلوبة للمخافر، بحسب ما ذكر مصدر أمني لـ«الأخبار». فبعضها يخلو من غرف التحقيق، وأخرى لا يوجد فيها سوى حمام واحد فقط، ويعاني غيرها من موقع غير مناسب. ولهذه الأسباب، توجّهت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نحو بناء المخافر النموذجية في هذه المنطقة.
ولقصة مخفر بعلبك فصول كتبتها أحداث وشخصيات حكمت عليه بالترحال والتنقل الدائمين. وغالباً ما يعود كبار السن بالذاكرة إلى المستشار «الفرنساوي» و«الترجمان العربي» ويتحدّثون عن دوريات الدرك المؤللة، ومركبات الخيالة، إضافة إلى رجال وفدوا مع المؤسسات العسكرية والحكومية في فترة الثلاثينيات، وعملوا ضباطاً في مخفر المدينة ورؤساء له، ومنهم: محمد مراد، حليم حرب، فياض الأسعد، صلاح اللبابيدي، فيليمون الخوري ونجيب زعتر.
ولا يخلو الحديث من خبر المشانق التي علّقت إبان الحكم العثماني في ساحة السرايا التي كان المخفر جزءاً منها، قبل انتقاله إلى ثكنة «غورو براكس» بالقرب من بساتين بعلبك، ليعود أدراجه إلى السرايا في أوّل العشرينيات. وعام 1926، وخلال ثورة توفيق هولو حيدر، أحرق الثوار السرايا، ما دعا إلى الرحيل مجدداً، فاستقر المخفر في حارة «بيت كرباج» بالقرب من ساحة خليل مطران.
وبعد تجديد السرايا، عاد المخفر إليها، قبل أن يرحل عنها بعد إحراقها مجدداً في ثورة 1958 على حكم الرئيس كميل شمعون، قبل أن تعود السرايا إلى مكانها لتحترق مرة جديدة مع بداية الحرب الأهلية، لتعود إلى مكانها الحالي بعد تجديدها برفقة المخفر الحالي.
الوجهة المرتجى أن تكون نهائية للمخفر منتصف الشهر المقبل ستكون الطريق العام، عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك. وقد تبرّعت دولة الإمارات العربية المتحدة بمبلغ 600 ألف دولار أميركي لبناء المخفر الجديد الذي شارفت الأعمال فيه على نهايتها، بعدما كان العمل قد انطلق في أيار 2007. وقد اختارت مصلحة البناء في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي الموقع النموذجي للمؤسسة الجديدة، فوقع الاختيار على ثكنة نجيب زعتر التي هي بالأساس ملك للمديرية. أعدّ دراسة المبنى مكتب الدراسات الهندسية «مهندسون»، فأتى المبنى على شكل ثلاث طبقات بمساحة بناء إجمالية تبلغ نحو 1300 متر مربع. تتألف الطبقة السفلية من مواقف للسيارات وحمامات ونظارات. أما الطبقة الأرضية ففيها بهو للاستعلامات وغرفة للاتصالات، ومكاتب أرفِقَ كل منها بحمام، إضافة إلى 3 حمامات جانبية، وقاعة كبيرة للمحاضرات. ووفق ما أشار إليه مصدر أمني، فإن الطبقة الأرضية ستُخَصّص للمخفر، أما الأولى فلفصيلة درك بعلبك. ولا تختلف مواصفات الطبقة الأولى عن الأرضية لناحية توزيع الغرف والنظارات المجهزة بحمامات داخلها تراعي الشروط النفسية والصحية للموقوفين. أما الطبقة الثانية فتقتصر على خزانات المياه والمازوت المغطاة بالقرميد، إضافة إلى تجهيزات التدفئة المركزية.
أما بالنسبة إلى سجن بعلبك، فسيبقى سجين السرايا، كما أشار مصدر أمني لـ«الأخبار»، متحدّثاً عن نقله قريباً إلى سجن زحلة الجديد الذي هو في طور البناء، فيما رأى غيره من زملائه إمكان بناء سجن في مدينة بعلبك، بالقرب من الفصيلة النموذجية المذكورة، لكون الأرض ملكاً للمديرية، بحيث إنه «لا يمكن إلغاء السجن من منطقة كبعلبك ــ الهرمل».