لا يعرف الكثيرون عن المناهج المتّبعة في تدريس التربية البدنية لتلاميذ المدارس، فالاعتقاد السائد أنّ المادة تقتصر على حصة في الأسبوع يمارس فيها التلاميذ «الرياضة»، أو فترة راحة بين حصتين أكاديميتين، لذا لم تنل حقها من الاهتمام كمادة أساسية في التربية العامة
أحمد محسن

تنتشر البطالة بين متخرّجي اختصاص التربية البدنية، رغم أنّ عدد الجامعات التي تدرّس هذا الاختصاص قليل نسبياً. والسبب الأبرز لهذه البطالة هو لجوء غالبية المدارس في لبنان إلى تعيين أساتذة غير متخصّصين برواتب محدودة، كما يشرح أحد متخرّجي التربية البدنية من الجامعة الأنطونية طوني فنيانوس. وحين تقفل الأبواب يلجأ المتخرجون إلى مهنة أخرى أو يسافرون إلى الخارج لمتابعة تحصيلهم العلمي، كما هي حال فنيانوس الذي سيتابع دراسته لنيل شهادة الدكتوراه في فرنسا «كان طموحي أن أقدّم الأفضل إلى هذه المهنة، ففي لبنان مواهب كثيرة تستحقّ التقدير». وإن كان فنيانوس يرى أنّ تغييراً بدأ يظهر في عدد من المدارس التي أصبحت تعتمد اختصاصيين في هذا المجال.
من جهته، يتحدّث الطالب في كلية التربية الفنية في الجامعة اللبنانية يوسف فرّان عن مشاكل أكاديمية تتعلق بالدراسة الجامعية، فالظروف السياسية تطغى على الكلية ما يجعل من الصعب إكمال المنهج الدراسي، «وحتى المواد التطبيقية لا تنجز كما يجب». أما المشكلة الأكبر، بحسب فران، فهي عدم وجود هذا الاختصاص في الفروع البعيدة كالفرع الخامس، ما يضطرّه إلى القدوم يومياً من الجنوب إلى بيروت.
وفي ما يتعلّق بالعمل داخل المدارس، يؤكّد فرّان أن المناهج في لبنان متطورة وهو أمر اكتشفه أثناء تدريس مادة التربية البدنية في بعض المدارس «لاحظتُ أهمية تركيز المناهج في الجامعة على نوعين من التثقيف البدني والرياضي، أولهما الألعاب الفردية (غير الموجودة في غالبية المدارس) والألعاب الجماعية التي يمارسها عدد كبير من التلاميذ، ككرة القدم وكرة السلة وغيرها من الألعاب الشعبية التي لا تحتاج إلى تجهيزات ضخمة».
يؤيد علاء ما يقوله زميله فران، ويؤكّد أنّ «اكتشاف المواهب وصقلها يحتاجان إلى خبرات لا يمكن تلقيها إلا في الجامعة»، ويستند في شرحه إلى خبرته في المدارس حيث صدمه «مشهد أستاذ التربية الرياضية يدخّن السجائر، ويجلس على كرسي في طرف الملعب، والتلامذة يركلون الكرة بسعادة، من دون أي شرح أو اهتمام». أما الخطير في الأمر، برأي علاء، فهو استغلال الأساتذة لطلاب الجامعة اللبنانية الآتين للتدرب قسراً، فيحاولون الاستفادة من خبراتهم الأكاديمية، التي لا يملكونها. ولا ينفي علاء وجود أساتذة تربية بدنية متخصصين، «لكن حتى هؤلاء يعانون نقصاً حاداً في التجهيزات المطلوبة لإتمام الدروس العملية».
«التربية البدنية في لبنان تنال في أحسن حالاتها حصتين من مجموع الحصص، وخلالهما يتعلّم التلاميذ الدبكة والرقص»، تقول نيفين، أستاذة المادة في إحدى مدارس بيروت. وهي تصرّ على أنها تفضّل تعليم التلاميذ الحركات الهرمية مثلاً، إذ يشارك فيها كل الأولاد وليس جزء منهم، عبر استخدام حركات رياضية صحية، لا تؤثر في نمو عضلاتهم، ولا يختلط في رؤوسهم مفهوما الرياضة والرقص.
«الرقص هو الرقص والرياضة هي الرياضة»، تؤكد نيفين، وتشدد على منهجة المواد الأكاديمية ومنع تمازجها، وبصورة رئيسية منع إدارة المدارس من التدخل في شؤون أساتذة الرياضة.
في ظل هذه الظروف المتراكمة، يجزم متخرجو اختصاص التربية البدنية أنّ المادة لم تنل حقها من الدعم المطلوب، وخصوصاً أنّ اختصاصات عدّة تتفرّع منها، كفلسفة التربية البدنية، وعلم الاجتماع الرياضي، وسيكولوجيا التعليم الحركي، وتاريخ وأصول التربية. أما في المدارس، فيطالب المتخرجون بضرورة زيادة حصص التربية البدنية، بحيث لا تقل عن ساعتين في المرحلة الابتدائية وزيادتها في المراحل المتوسطة والثانوية، لتطوير المهارات الحركية، وتفعيل العلاقة بين الجسد والروح، كما جاء في كتاب جاك رستم «مكانة التربية البدنية والرياضية في المدارس اللبنانية»، «فتطوير هذه المهارات منذ الصغر مع الاهتمام بالمهارات الفكرية الأخرى بشكل متوازن يغيّران شكل المجتمعات من مجتمعات مستهلِكة إلى جماعات منظَّمة قادرة على الإنتاج».