strong>سلطانة متيركلا يستطيع أحد التعامل بحياديّة مع تجربة شباب «الدفاع المدني»، لأنّهم هم أنفسهم لم يكونوا حياديين في تعاطيهم مع الأحداث التي كانت تعصف بلبنان، ولا سيّما الإنسانيّة منها. فهؤلاء الشباب الذين تبنّوا قضيّة الدفاع عن لبنان حتّى الصميم، وشهدوا حروبه، لم يسأموا بعد من اندفاعهم، وهم مستعدّون للدفاع أكثر عن لبنان وعن مستقبل المؤسّسة التي خدموها بأشفار العيون، والتي عدّها أحد المصابين في الدفاع المدني «قضيتنا الأولى، لأننا في بلد يعيش حالة تماس مع حرب خارجيّة، وحرباً بيئية تشهدها أحراج لبنان وغاباته كل عام».
وفي هذا الإطار، كان لا بدّ من الإضاءة على نشاط مؤسّسة الدفاع المدني وآلية العمل، وما تصادفه مراكزها من عثرات تقف في وجه تنفيذ مهامها، إضافة إلى ما تكبدته من خسائر خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. وكان العائق الأوّل أنّ أحداً من مسؤولي المراكز لم يتجرّأ على الحديث، وإن قبل فمن دون ذكر الاسم. ربّما يكون ذلك أفضل بالنسبة لهم، وخصوصاً مع الإهمال الذي تشهده معظم هذه المراكز، إذ يلفت رئيس أحد المراكز إلى «أنه ما من شيء منتظم في هذه المراكز»، متسائلاً «كيف سننفّذ مهامنا عند وقوع كارثة، والمركز فيه عنصر واحد، في حين يحتاج على الأقل إلى خمسة عناصر؟». ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد يضطرّ في أحيان كثيرة إلى إغلاق المركز لعدم توافر عناصر لمواكبة غرفة العمليات والطوارئ، الأمر الذي يتسبّب في تكبّد خسائر بشرية ومادية ضخمة. وإذا اضطرّ المركز إلى القيام بمهامه، يلجأ في بعض الأحيان إلى الإستعانة بمتطوّعين، غير أنّ الأمر لا يجري دائماً بهذه السهولة، إذ لا يخلو من الإحراج، وخصوصاً في ما يتعلّق بتغطية نفقات النقل والأكل، التي لا تتحمّل وزارة الداخليّة أعباءها. وفي هذا الإطار، يطالب رئيس المركز الوزارة بالإسراع في إدخال بعض المتطوّعين إلى الملاك، «لتفادي المراحل الحرجة التي نضطرّ فيها إلى إقفال المركز».
وعن مالية المركز، أشار المسؤول إلى «أن لا موازنة لنا»، متّهماً وزارة الداخلية بـ«الغياب المبرمج عن تقديم واجباتها تجاه المراكز، وبالإهمال المتعمّد، وخصوصاً أنّ أحد المراكز الإقليمية المسؤولة مباشرة عن 12 مركزاً يعجز عن مدّنا بالعتاد خلال تنفيذ بعض المهام الصعبة، مما يخلق عوائق تقف حاجزاً أمام تنفيذ المهام».
وعن التجربة خلال الحرب الأخيرة، وحجم الخسائر التي تعرّض لها الدفاع المدني، كانت أولى مكافآته عجزاً في الموازنة غطّتها بعض الجمعيات الأهلية. وأمام هذا الواقع، طالب المسؤول عن المركز وزارة الداخليّة بالعمل على إعداد لائحة بالحاجات والمتطلبات لدعم الدفاع المدني تحسّباً للطوارئ.
من جهة ثانية، أكّد مسؤول في إدارة الدفاع المدني، ردّاً على سؤال عن صرف المنحة الليبيّة البالغة 100 مليون دولار، «أننّا لا نعرف كيف صرفت هذه الأموال التي لم يصل منها لجهاز الدفاع المدني سوى بعض الآليات». وعن إعادة تشييد المراكز التي دمرت خلال الحرب، لفت إلى أنّ إعادة الإعمار محصورة بحلّ بعض العراقيل العقاريّة.
أما الهيئة العليا للإغاثة، فلم تكن أفضل حالاً من الجهات الرسميّة الأخرى، إذ يعاني شباب الدفاع المدني المصابون الكثير منها، وفي هذا الإطار، يشير محمد غزالة الذي استهدف بإصابتين في الأيام الأولى للعدوان أثناء قيامه بواجبه الإنساني، إلى أنّه قدّم للهيئة «ملفاً كانت قد طلبته عن وضعنا الصحي عبر وزارة الداخلية، ولكنّنا لم نصل حتى الآن إلى جواب واضح، وخصوصاً أنّها المرة الخامسة التي نعيد فيها ترتيب الملف، ما يعني 100 دولار في كلّ مرة». وعندما يسأل غزالة عن سبب تكرار الملف، يأتيه الردّ بأنّه غير مكتمل. أمّا التعويض الوحيد عن إصابته المزمنة نتيجة للمواد الكيميائية المستخدمة في الصواريخ فهي ستّة ملايين ليرة لبنانية من مجلس الجنوب، ليبقى الدواء رهناً بالمعاش الشهري جرّاء عمله في مركز الصرفند «لأن وزارة الصحة لم توفره بحجّة عدم وجود موازنة». وستبقى الحال على ما هي عليه إلى حين تعي السلطات الرسميّة مهامها.