strong>حادث يسفر عن... نشاط سياسي واجتماعي من نوع جديد
يعم الحزن والإقفال في زحلة، فالمدينة وجدت نفسها فجأة في صراع دموي لم تألفه. وهي المنقسمة في السياسة منذ زمن طويل حريصة على أمنها الذي يُعَدّ مسألة حساسة جداً في مجتمع عانى كثيراً جراء الحروب والدمار منذ 1860 وحتى أواخر 1990

عفيف دياب
صدمت زحلة بالرصاص الذي أُطلق على احتفال كتائبي أول من أمس وأودى بحياة مسؤولين محليين في الحزب وجرح 3 آخرين. فالمدينة لم تعتد التخاطب السياسي بالرصاص يوماً، وتاريخها السياسي الطويل لم يشهد سوى حادثة مماثلة لحادثة الأمس وقعت في أواخر أربعينيات القرن الماضي بين موالين ومعارضين للسلطة يومذاك أودت أيضاً بحياة شخصين وعانت على أثرها المدينة أزمة سياسية واجتماعية استمرت طويلاً قبل تضميد الجروح.
ويقول متابعون في المدينة إن الاعتداء الذي تعرض له أنصار حزب الكتائب فيها وسقوط ضحايا «لن يندمل جرحه بسرعة، وسيدخل زحلة في انقسامات جديدة سيدفع الموالون والمعارضون أثمانها، وخاصة أن الأهالي يرفضون اللجوء إلى العنف الدموي في خلافاتهم السياسية مهما بلغت حدتها ومن أي طرف جاء».
دموية التنافس السياسي في زحلة المقفلة أسواقها ومؤسساتها الرسمية والخاصة التي ستشيِّع اليوم الزميل نصري ماروني وسليم عاصي، رفعت حدة النقاش السياسي في المدينة بشأن جدوى استمرار هذا الانقسام في خيارات عامة أدخل زحلة، شأنها شأن بقية المناطق اللبنانية، في خلافات داخلية كانت كالجمر تحت الرماد الذي اشتعل رغم كل محاولات تهدئة النفوس، «ولا بد من وضع حد للانفلات في الخطاب السياسي المحلي والعام الذي أدى إلى تعكير صفو أمن زحلة» قال الزميل عيد الأشقر الذي وجد في إطلاق الرصاص على الاحتفال الكتائبي «سابقة خطيرة لم تعرفها زحلة رغم ما كانت تشهده من حدة في الصراع المحلي بين العائلات السياسية والقوى الحزبية». ويضيف: «زحلة مدينة ناشطة جداً في العمل السياسي، رغم شهرتها الواسعة بأنها مقبرة للأحزاب، فقد عرفت العمل الحزبي منذ أوائل القرن الماضي، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وتعرض العمل الحزبي المنظم والمؤطر لانتكاسات عدة لم تمنعه من الاستمرار كماً ونوعاً رغم المد والجزر في شعبية الأحزاب التي مرت او تأسست في المدينة»، لافتاً إلى أن «الحزبية العائلية كانت هي الأقوى والأكثر استمرارية، لكن وجودها التاريخي وتنافسها مع قوى حزبية سياسية على الصعيد المحلي والوطني لم يؤديا يوماً إلى التخاطب بالرصاص كما حصل بالأمس، فالحادث الأمني سيؤدي إلى نشاط سياسي واجتماعي من نوع جديد سيأخذ مداه في المدينة ويعيد رسم خريطة التحالفات العائلية والحزبية».
قراءة الأشقر يؤكدها أكثر من طرف سياسي في زحلة. ويقول أحد القادة الحزبيين سابقاً في كتائب عاصمة البقاع إن ما جرى «سيؤدي إلى خلق حالات جديدة من التشنج السياسي والاجتماعي في المدينة»، لأن «المجتمع الزحلي يرفض استخدام الرصاص في الصراع السياسي، فالمدينة لا تستطيع لبس أثواب ملطخة بالدماء، وهي لم تألف مشهد الدماء في حياتها السياسية، وبالتالي فإن الحادثة الأمنية ستعيد خلط الأوراق وتحميل قوى سياسية المسؤولية عما جرى. وهذا ما سيؤدي إلى رفع حدة الانقسام وخلق عداوات من نوع آخر لا تريدها المدينة.
لكن قراءة الوزير السابق خليل الهراوي تختلف نسبياً، إذ يقول إن«ما حصل جريمة كبرى بحق زحلة والبقاع. فالمدينة والمنطقة عاشتا منذ الثمانينيات استقراراً أمنياً نتيجة وعي القوى السياسية وممارستها العمل السياسي بصورة ديموقراطية»، مشيراً إلى أن ما جرى «هزة في الكيان البقاعي. وسواء أكانت هذه الحادثة فردية أم مدبرة، فإن هوية القاتل وهوية المغدورين ألبستاها لباساً سياسياً، حتى لو كان الأمر غصباً عن إرادة الطرفين».
وأضاف: «أشهد أن الكتائب، تعاطت خلال الربع الأخير من القرن الماضي بانفلاش سياسي واجتماعي من دون حركة ميليشياوية في زحلة، كما أنني لم أعرف أو أعهد عن بيت سكاف السياسي أنه يمارس تصرفات من هذا النوع الذي جاء رغماً عن إرادة الطرفين».
الهراوي لا يرى خلطاً للأوراق السياسية أو للتحالفات في زحلة جراء الحادث ويفسر ذلك بقوله: «للقوى السياسية مواقف ثابتة، والحادثة أساساً مرفوضة لدى الطرفين، ولكنها قد تفرز نشاطاً وتعطي رسالة تحذيرية للقوى السياسية بأن تكون أكثر ديموقراطية في ممارسة عملها والتعبير عن مواقفها وتقبل مواقف الآخر. فالتعبير أو العمل السياسي في زحلة حق للجميع، وعلى جميع القوى في زحلة الامتناع عن تأليب جمهورها على جمهور الطرف الآخر»، مشيراً إلى أن عودة الهدوء السياسي إلى زحلة تكون بتوقيف القاتل المعروفة هويته.
ويقول أحد نواب الكتلة الشعبية في دائرة زحلة إن «من المبكر جداً الحديث عن خسارة رصيد سياسي أو شعبي، فالحادثة فردية ولا يجوز تحميلها أكثر من ذلك، كما لا يمكن الآن تقديم قراءة لما سينجم عنها سياسياً رغم أن ما جرى هز زحلة والبقاع». وتابع: «إن جهودنا منصبة الآن على تهدئة النفوس ووضع حد لتجييش المشاعر. ونعمل بكل ما أوتينا من قوة حتى نعرف مكان القاتل وتسليمه للعدالة، ونرفض بشدة استغلال ما جرى سياسياً وتوظيفه خارج إطار مصلحة الجميع».
وأضاف خاتماً: «منذ أكثر من عامين ونحن نحذر من أخطار تجييش الشارع والغرائز، ولكن للأسف لم يسمع صوتنا. ونحن هنا نؤكد مجدداً رفعنا الغطاء السياسي عن أي شخص يعبث بأمن زحلة والبقاع».


جمهورية زحلة
زحلة مدينة سهلية وجبلية معاً، وهي أيضاً مدينة تجارية وصناعية وزراعية. ويقول عنها الدكتور خير المر إنها «قرية كبيرة ومدينة صغيرة، وتختلط المدينة والقرية في ذهنية أبنائها وطرق تفكيرهم وعلاقات بعضهم بالبعض الآخر». في عام 1855 ألّف أهلها مجلساً من أعيان المدينة كان بمثابة الجمهورية الأولى في الشرق، وكان لهذا المجلس ختم مجزأ، وحين تلتئم الأجزاء السبعة منه يصبح القرار نافذاً. أحرقت زحلة 3 مرات عام 1777 وعام 1791، وكان الحريق الأكبر عام 1860. في 3 آب 1920 أعلن الجنرال غورو من فندق قادري الكبير ضم الأقضية الأربعة: البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا واعتبارها أساساً للبنان الكبير. لزحلة نشيدها الخاص، ويقول مطلعه: زحلة يا دار السلام، فيك مربى الأسودي ع الضيم والله ما بتنام الموت ببوز البارودي».