strong>تبذل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي جهوداً للمّ شمل مجلس قيادتها الذي يستمر بعض أعضائه بالتغيب عن جلساته منذ ما يزيد على 7 أشهر. وتتفاوت أسباب اعتكاف الضباط الذين يعمل تحت إمرتهم نصف عديد المديرية بين انعكاس للانقسام السياسي العام والاعتراض على آلية اتخاذ القرارات داخل المؤسسة
حسن عليق
ينعقد مجلس قيادة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي منذ تشرين الأول 2007 بغياب ثلاثة قادة وحدات، يعمل تحت إمرتهم أكثر من 11500 ضابط وفرد، من أصل نحو 23500 يمثّلون مجموع عديد المديرية. فقبل 7 أشهر، اعتكف قائد الدرك العميد أنطوان شكور عن حضور جلسات المجلس، ليلحق بزميليه قائد جهاز أمن السفارات العميد عدنان اللقيس ورئيس الإدارة المركزية العميد محمد قاسم، اللذين كانا قد امتنعا عن الحضور منذ نيسان 2007.
«المشترك في اعتكاف الضباط الثلاثة هو اعتراضهم على بعض آليات العمل في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حالياً، وخاصة دور أحد الضباط في اتخاذ القرارات على حساب ضباط أعلى منه رتبة» كما قالت مصادر مطلعة في المديرية لـ«الأخبار». لكن الفرق الأكبر بين «الاعتكافين»، أضافت المصادر، «هو أن الأول انعكاس مباشر للانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد بين المعارضة والموالاة». أما قائد الدرك، فأعادت المصادر غيابه عن المجلس إلى «نظرته الشخصية لأوضاع المؤسسة بعيداً من التأثيرات السياسية».
الأسباب المباشرة للاعتكاف
جلسة مجلس القيادة التي انسحب منها العميدان اللقيس وقاسم منتصف نيسان 2007 كانت مخصصة لمناقشة اقتراح منح القدم الاستثنائي للترقية لـ11 ضابطاً من فرع المعلومات والقوى السيارة، «بسبب دورهم في التحقيق بجريمة عين علق»، وعلى رأسهم رئيس فرع المعلومات المقدم وسام الحسن. ورأى عدد من قادة الوحدات أن منح القدم الاستثنائي هو المكافأة الأكبر والأخطر التي يمكن أن ينالها ضابط، لما تسببه من استثناءات في الهرمية، حيث يصبح المرؤوس أعلى رتبة من رئيسه. وإن المادة 86 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي تنص على منح «الضابط قدماً استثنائياً للترقية يتراوح بين 3 أشهر وسنتين، بسبب إظهاره بسالة فائقة في العمليات الحربية أو في عمليات حفظ النظام وتوطيد الأمن، وما بين 6 أشهر وسنة واحدة بسبب تميزه مراراً بالشجاعة الفائقة أو البراعة الخارقة في اكتشاف الجرائم وتوقيف المطلوبين للعدالة».
وقد اعترض أحد أعضاء المجلس على أصل الاقتراح القاضي بمنح الضباط قدماً استثنائياً، بسبب دورهم في كشف جريمة واحدة فقط، وخاصة أن الاقتراح كان يرمي إلى منح المقدم الحسن قدماً مدته سنتان. كذلك سجّلت اعتراضات على أمور منها أن الضباط الأربعة الأعلى رتبة بين المقترح مَنحهم القدم ينتمون إلى طائفة واحدة، إضافة إلى أن الاقتراح يتضمّن اسم المقدم سمير شحادة رغم عدم مشاركته في التحقيق بجريمة عين علق. وبعد نقاش دام نحو 8 ساعات، طلب العميدان اللقيس وقاسم مهلة 24 ساعة لدرس الموضوع، إلا أن طلبهما رُفِض فانسحبا. بعدئذ، عُدِّل الاقتراح بخفض مدة القدم المقترحة للمقدم الحسن إلى سنة واحدة، وخفض عدد الضباط إلى 6، فوافق المجلس على الاقتراح المعدّل.
أما العميد أنطوان شكور، فلتغيّبه عن حضور مجلس القيادة أسباب عدة، أبرزها عدم إجراء تشكيلات للضباط منذ نهاية عام 2005، وغياب التوازن الطائفي. وبالنسبة للسبب الأول، ينبغي قانوناً نقل الضباط من مراكزهم عبر قرار من مجلس القيادة. لكنهم، منذ عام 2005، يُنقَلون بقرارات فصل يصدرها المدير العام وصالحة لـ3 أشهر من تاريخ إصدارها، قبل طرحها على مجلس القيادة ليوافق على تثبيتها. لكن هذه الآلية، بحسب بعض المراقبين، تجعل نقل الضباط من مراكزهم بيد المدير العام وحده، من دون اشتراك قادة الوحدات في اتخاذ قرارات متعلقة بضباط يخدمون تحت إمرتهم.
تأثير الانسحاب
من ناحية أخرى، وإضافة إلى الضرر الذي يسببه غياب الضباط الثلاثة عن مجلس القيادة لناحية ظهور المؤسسة بمظهر المنقسمة على ذاتها سياسياً ومذهبياً، تشير مصادر مطلعة داخل المديرية إلى تأثير سلبي عملي يتعلّق بقرارات مجلس القيادة. فقائد الدرك رئيس لأكبر وحدات المؤسسة، والعميد محمد قاسم هو رئيس وحدة «العصب اللوجستي» في المؤسسة كما يصفه أحد المراجع الأمنية الكبيرة.
تجدر الإشارة إلى أن مجلس القيادة يتألف من المدير العام لقوى الأمن الداخلي والمفتش العام وقادة الوحدات التسع: هيئة الأركان، الإدارة المركزية، إدارة الخدمات الاجتماعية، الدرك الإقليمي، القوى السيارة، شرطة بيروت، الشرطة القضائية، جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة، ومعهد قوى الأمن الداخلي. ويعطي قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي للمجلس صلاحيات واسعة، تجعله بمثابة مجلس لإدارة المؤسسة. ويراعى التوازن الطائفي ليصبح المجلس مؤلفاً من 5 أعضاء مسلمين و5 مسيحيين، إضافة إلى المدير العام. وتُتّخذ القرارات داخل المجلس بأكثرية ثمانية أصوات من أصل 11 على الأقل، وفي غياب الضباط الثلاثة، بات على أعضاء المجلس الحاضرين إقرار أي اقتراح بالإجماع، مع ما قد يعنيه ذلك من اضطرار لمراعاة التوازنات الطائفية والسياسية والشخصية.
جهود لمّ الشمل
بعد عام على اعتكافهما، تبدو عودة العميدين اللقيس وقاسم قريبة، وخاصة بعد بذل جهود حثيثة من اللواء أشرف ريفي من جهة، والعميدين من جهة ثانية، وخاصة أن العلاقة بين الضباط الثلاثة (ريفي واللقيس وقاسم) تعد، من الناحية الشخصية، الأمتن بين كبار ضباط المؤسسة. وفي إطار جهود الحل، يرى مراقبون في قرار تثبيت المجندين المتوقع أن يقره مجلس الوزراء قريباً فاتحة لحل عقدة حضور العميدين، وخاصة في حال إتباعه ببعض الاتصالات السياسية المسهّلة، والبحث بتأمين التوازن المذهبي بين السنة والشيعة في صفوف المجندين (عدد المجندين السنّة يزيد بـ96 مجنداً)، وهو الأمر الذي لا يظهر أنه يمثّل عقدة على طريق الحل، مع الإشارة إلى أن عدد الشيعة في المؤسسة يزيد على عدد السنة بنحو 450 بين ضباط وأفراد.
وبالنسبة للعميد أنطوان شكور، فلا تظهر في الأفق ملامح لما قد يدفعه للعودة إلى حضور مجلس القيادة. فتشكيلات الضباط، بحسب مصادر مطلعة، مؤجلة إلى ما بعد تأليف حكومة جديدة. أما التوازن الطائفي فأعادت المصادر اختلاله إلى «الواقع السكاني»، بحيث أصبحت نسبة المسيحيين داخل الأمن الداخلي لا تزيد على الثلث. ورغم ذلك، أصر مجلس القيادة على المناصفة في اقتراح تثبيت المجندين، رغم غياب أي نص قانوني أو عرف يشير إلى ذلك. «لكن تأمين التوازن المطلق»، أضافت المصادر، «كما هي الحال في أكثر المؤسسات الرسمية، بات بحكم المستحيل».