أنطوان سعدتفيد مصادر مطّلعة، قريبة من تيار المستقبل، بأن النائب سعد الدين الحريري قد يعود قريباً إلى بيروت بعد غيابه عنها لمدة تجاوزت الشهرين. وعزت هذه المصادر أسباب الغياب الطويل إلى حرية التحرك والاتصال والتشاور مع القوى المؤثرة على المسألة اللبنانية المتوافرة في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى الوضع الأمني و«الظرف الاستثنائي برمته القائم في لبنان»، على حد تعبيرها. أما عودته من الرياض فتربطها بشعوره بضرورة أن يكون وسط المعركة التي يقودها في ظل الظروف الصعبة المرتقبة في البلاد المفتوحة على كل الاتجاهات.
غير أن أوساطاً أخرى تضع غياب النائب الحريري في خانة مقابلة تصلّب سوريا والقوى اللبنانية المعارضة المتحالفة معها بتصلّب مشابه رافض لكل أشكال المساومة حول الانتخابات الرئاسية في لبنان.
فإزاء إصرار سوريا وحلفائها على ما عرف بالسلة الكاملة وعدم القبول بتفسير الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لها، قررت السعودية وحلفاؤها وقف كل تحاور والإصرار على انتخاب المرشح التوافقي، قائد الجيش العماد ميشال سليمان، رئيساً للجمهورية من دون قيد أو شرط، من خلال بقاء المتحاور باسم الأكثرية خارج الأراضي اللبنانية.
هذا في الظاهر. فالعالمون ببواطن الأمور يصرّون على أن القيادة السورية أبلغت إلى من يهمّهم الأمر أن لا انتخابات رئاسية في لبنان قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وقد أكد عائدون من العاصمة السورية للأخبار أنهم سمعوا كلاماً واضحاً في هذا الاتجاه، ومفاده أن القيادة هناك «لن تبذل قيد أنملة للمساهمة في إخراج لبنان من المأزق الراهن من خلال إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية قبل ذلك الموعد. وعندما تفاتح الإدارة الأميركية الجديدة دمشق بالموضوع فسوف تُخرج هذه الأخيرة لائحة طويلة من المطالب تبدأ في العراق ولا أحد يعرف أين تنتهي».
ولا يستبعد العائدون من العاصمة السورية أن تكون قضية المحكمة ذات الطابع الدولي مدرجة أيضاً على لائحة المطالب وإن كانوا يعتقدون بأن النظام السوري قد أعدّ لمواجهتها وسيلة أخرى هي التحقيقات التي تجريها السلطات السورية في اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية. وبحسب زوار دمشق، فإن هذه التحقيقات تشير بوضوح إلى تورط جهات عربية معنية بلبنان باغتياله و«كل تلويح بالمحكمة الدولية سيقابله تلويح بنتائج التحقيق وكل تقدم عملي سيقابله تقدم مشابه».
كما لمس العائدون اطمئناناً سورياً إلى نتيجة الانتخابات الأميركية المقبلة في شهر تشرين الثاني من العام الجاري أياً تكن هوية الفائز فيها «الجميع أفضل من الإدارة الحالية» بمن فيهم المرشح الجمهوري جون ماكين الذي، برأيهم سوف يتعلم من تجربة سلفه ويحاول شيئاً آخر.
ويصرّ زوار دمشق وسائر المقرّبين منها في لبنان، باستثناء قلة قليلة، على أن القيادة السورية لم تعد متحمسة لمجيء العماد سليمان إلى سدة الرئاسة الأولى. لا بل ثمة تأكيد إلى رفض سوري مبدئي لانتخابه ما لم يكن هناك ثمن معيّن في لبنان أو خارجه مقابله ويرجح أن يكون باهظاً. حتى إن بعض الأطراف المعارضة تعيد طرح اسم الوزير السابق ميشال إده الذي ورد على اللائحة التي قدمها البطريرك الماروني نصر الله صفير إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب سعد الدين الحريري. فيما يشير معارض آخر إلى اسمي الوزيرين السابقين جان عبيد وفارس بويز أو حتى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فيما لا يزال التيار الوطني الحر متمسكاً بترشيح رئيسه العماد ميشال عون ومعتقداً بأن حظوظه إلى ارتفاع في الأشهر المقبلة.
الأزمة إذاً مرشحة لمزيد من التعقيد بدليل خطوة إرجاء الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى التي أراد منها رئيس المجلس النيابي أن يعلن مضيّه في تحدّي صمّ الآذان الذي قابلت به السعودية والأكثرية النيابية في لبنان دعوته إلى استئناف أعمال هيئة الحوار الوطني. وقد عاد الحديث عن الحلقات السياسية عن إمكان حصول تدهور أمني في شهر أيار المقبل ناتج بالدرجة الأولى من الاحتقان السياسي والتصعيد في المواقف وشحن القواعد الحزبية والشعبية.
في ظل هذه الأجواء، لن تكون عودة النائب الحرير ي إيذاناً ببدء عملية الحل واستئناف الحوار المقطوع بين طرفي النزاع، بل تعبيراً عن استعداد فريق الأكثرية لمواجهة التحدي الذي رفعه الرئيس بري أمس في تأجيله جلسة انتخاب رئيس الجمهورية من دون تحديد موعد تاسع عشر لها.