أنطون الخوري حربشهدت مداولات ما بعد انتهاء اجتماع تكتل التغيير والإصلاح النيابي الاثنين الفائت في الرابية حديثاً بين أقطابه عن الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الأجهزة الأمنية في مدينة زحلة لتجنيب المدينة ما حصل.
وما استوقف المتحدثين الأمن الذاتي الذي تنفذه العناصر الحزبية أثناء تنظيم مناسباتها السياسية إما بغياب الأجهزة الرسمية (كمعلومات الأمن الداخلي ومخابرات الجيش) وإما على مرأى منها.
وإذ يجمع قادة المعارضة المسيحية على فقدان الأمل بدور وطني ومهني لفرع المعلومات، فإنهم كانوا يتّكلون بشكل أساسي على مخابرات الجيش، لكن حادثة زحلة وقبلها حادثة الشياح خيبتا آمال المعارضين بهذا الدور المنشود. ولا تعزو المعارضة هذا الفشل المخابراتي إلى أسباب سياسية، لكنها تشدد على التقصير الأمني «الذي من المحتمل أن يكون مقصوداً».
وفي حين يسير ترشيح قائد الجيش ميشال سليمان فوق الاعتبارات التي تطالب بها المعارضة على الصعيد المهني لمديرية المخابرات، يؤشر كلام النائب الياس سكاف إلى إسقاط الصفة التوافقية لترشيح قائد الجيش، في الوقت الذي يتعرض فيه العماد عون لضغوط كبيرة من نوابه وكوادره ومحازبيه كي يغير موقفه السابق بالموافقة على ترشيح سليمان ويسحب تنازله عن ترشيح نفسه، الأمر الذي لم تستطع القاعدة العونية «هضمه» من الأساس، ليستعيد التيار ترشيح رئيسه «المشروع» للرئاسة الأولى، ولا سيما أن شرط هذا التنازل، أي تعميم مبدأ التوافق على رئاسة الحكومة أيضاً، جوبه برفض قاطع لدى فريق السلطة.
وإذ يعبّر النائب سليم عون عن رأيه المتلازم مع رأي سكاف بسقوط الصفة التوافقية عن المرشح سليمان، لا تبدو حال زملائه مختلفة، إذ يشاركه فيها معظم نواب التيار والتكتل.
لذلك أصبح موعد إحياء ذكرى عودة عون من منفاه القسري في 7 أيار 2005 محطة تتطلع إليها قادة التيار كموعد لإعلان استعادة المبادرة. وسيكون عنوان الذكرى هذه المرة: «من العودة إلى العودة».
وبهذا يكون سليمان قد فقد حظه الأخير بتبوّء رئاسة الجمهورية بصفة توافقية ليتحول إلى مرشح طرف في أحسن الأحوال.
وفيما يميل قادة التيار إلى الانطلاق نحو مرحلة سياسية جديدة لا مكان فيها لسليمان ولا لترشيحه الرئاسي، تتواتر معلومات عن مناورة سيلجأ إليها الفريق الأكثري لتسجيل الهدف الأساسي في برنامجه عن طريق إمرار صفقة يُستدرج إليها الرئيس بري تحت عنوان التمديد لسليمان في قيادة الجيش قبل حلول آب.
ويقضي السيناريو، الذي وصل مضمونه إلى الرابية، بشن حملة حكومية للتخويف من الفراغ العسكري في قيادة الجيش والمطالبة بانعقاد جلسة نيابية استثنائية برئاسة بري وحضور نواب الموالاة والمعارضة بحجة التصويت على بند وحيد هو تعديل الدستور للتمديد لسليمان، لكن المفاجأة التي تحضّرها الحكومة لأخصامها هي إحداث بلبلة في الجلسة المذكورة تؤدي ببري إلى رفعها بعد أن تكون أمانة سر المجلس قد ضبطت حضور أكثر من ثلثي عدد نواب البرلمان الذي هو الآن، بحسب الدستور، سلطة اقتراعية، فيقفز نائب رئيس المجلس فريد مكاري إلى منصة الرئاسة ليعلن تغيير هدف الجلسة من التمديد إلى انتخاب سليمان رئيساً بأكثرية نواب المعارضة.
ويراهن الفريق الأكثري على رد فعل لبري محسوب فيه ارتباكه من إلغاء نتيجة الانتخاب حتى يأتي من يقنعه بأن حرص حزب الله على عدم الانجرار إلى نزاع سني ــــ شيعي وداخل الطائفة الشيعية نفسها، يجعل من رئاسة سليمان أمراً واقعاً تسلّم به المعارضة وتنتقل بعده إلى البحث في التشكيلة الحكومية.
ولكن مع انكشاف هذا السيناريو، أصبح نزول نواب المعارضة إلى المجلس مستحيلاً مهما اتهمتهم الحكومة بالمسؤولية عن الفراغ العسكري ونتائجه على صعيد الاستقرار الأمني.
وفي خلاصة هذا السيناريو يكون قائد الجيش قد خسر كل الاحتمالات التي بقيت إلى حين قريب عالية ولمصلحته، بعدما تحول عن الصورة التوافقية إلى صورة المتسبب بتصاعد الأزمة، مما حرمه حتى نعمة التوزير في أية حكومة مقبلة.
وتكون مديرية المخابرات التي يرأسها العميد جورج خوري قد أنتجت استفزازاً غير متوقع للتيار الوطني الحر من خلال الحملة التي شنتها عليه وعلى قائده عبر المحاولة الضعيفة لتحريك البلديات والفاعليات في المناطق التي حصد فيها عون نوابه عام 2005 وحققت هدف الكوادر العونيين.