برّي يلتقي جنبلاط وحمادة يصف دعوته إلى الحوار بـ«المهزلة» وجعجع يراها «جوفاء»للمرة الثامنة عشرة، أرجئت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة أمس لعدم اكتمال النصاب، وربط رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعد الجلسة المقبلة برد الأكثرية على دعوته إلى اتفاق على إعلان نيّات حول الحكومة الجديدة وقانون الانتخابات النيابية.
واستعيض عن الجلسة بلقاءات ثنائية ورباعية وسداسية جمعت نواب الموالاة والمعارضة وتخللها تبادل التحيات والقبل والتحاور بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع التي يشهدها لبنان. وأبرز اللقاءات كان اجتماع الرئيس بري برئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط في مكتب الأول، تلا بعده رئيس المجلس بياناً أكد فيه أنه «ليس المطلوب الدوران في الحوار كما يروى ويشاع، بل السير الجدي به، وفي شكل شبه متواصل توصلاً لإعلان نيات يتضمن النسب في الحكومة المقبلة وأي دائرة انتخابية يجب أن تعتمد في قانون الانتخابات. علماً بأن كل الاقتراحات مطروحة بهذا الشأن من دون استبعاد أي اقتراح على الإطلاق. وبعد الاتفاق يصار فوراً إلى رفع الاعتصام من وسط بيروت، ونذهب فوراً لانتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان ضمن السلة الكاملة».
وقال: «لم يعد يجدي سوى ما نقوم به نحن كلبنانيين، وأقول هذا للموالاة والمعارضة، وها هو السيد (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دايفيد) ولش بالأمس ينعى المبادرة العربية في أبو ظبي، فهل نتقي الله في وطننا، أم نستمر في الخطأ نحو الخطيئة؟»، مؤكداً أنه لا أحد «يستطيع أن يفرض حلاً من الشرق أو الغرب يضر بالمعادلة اللبنانية القائمة وبمبدأ الشراكة التي كرسها اتفاق الطائف».
وأكد «أن إعلان النيات ليس اعتداءً على صلاحيات رئيس الجمهورية على الإطلاق». وأشار إلى أنه ينتظر الموافقة على طاولة الحوار خلال مهلة وجيزة «ليصار على ضوء ذلك توجيه الدعوات قبل تحديد موعد جديد لانتخاب رئيس الجمهورية»، مفضلاً أن يُحدَّد من طاولة الحوار نفسها بعد الاتفاق، «أما إذا رفض الحوار فسأعيّن جلسة جديدة خلال يوم أو يومين أو ثلاثة كحد أقصى».
ورد بري على الذين يقولون إن المجلس مقفل، مكرراً قوله: «إن المجلس مقفل ضد حكومة لاشرعية، ولكنه مفتوح أكثر من اللازم في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، والدليل أنني حددت حتى الآن موعد 18 جلسة من أجل ذلك»، معلناً أن أمناء سر اللجان النيابية سيعقدون اجتماعاً العاشرة قبل ظهر اليوم لإطلاق عملها، كما أعلن معاودته استقبال النواب في موعد أسبوعي.
وكان قد حضر إلى المجلس 90 نائباً معظمهم من المعارضة، وعندما حل موعد الجلسة في الثانية عشرة والنصف لم يكن في القاعة العامة سوى 42 نائباً من الموالاة، فيما سجل غياب النواب: سعد الحريري، فريد مكاري، ستريدا جعجع، جورج عدوان ونايلة معوض.
وبعد نصف ساعة، وزع إعلام المجلس النيابي المعلومات الرسمية الآتية: «تأجلت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني. وسيحدد الرئيس بري موعداً للجلسة المقبلة في وقت لاحق، آملاً الموافقة على انعقاد الحوار».

ردود أوّلية للأكثرية على المبادرةمن جهتهم، أعلن نواب كتلة «المستقبل» أن احتمالات الحوار لا تزال مفتوحة، مؤكدين المشاركة «في أي حوار، لكن ضمن القاعة العامة أو مكتب المجلس». ولفتوا إلى أن «قوى 14 آذار ستطلع بداية على مواضيع الحوار وشكله».
ومن خارج المجلس، رأى رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع في رد أولي على بري، أن كلام الأخير «غير محق، ناعم في الظاهر وخشن في الباطن»، واصفاً دعوته بأنها «جوفاء، باعتبار أنه لم ينزل إلى القاعة العامة، ولم يفتح جلسة أو يترك مجالاً لانعقادها».
ورأى جعجع بعد استقباله في معراب القائمة بالأعمال الأميركية ميشيل سيسون أنه «يجب أن نتحاور بكل الأمور التي طرحها الرئيس بري والتي طرحناها نحن أيضاً كقيام الدولة وعدم وجود السلاح خارجها وترسيم حدودنا مع سوريا».
وعن تصريح ولش بما يتعلق بصيف لبنان الساخن ونعيه للمبادرة العربية، نقل جعجع عن سيسون نفيها ذلك.
في المقابل، رأى النائب حسين الحاج حسن أن «المواقف ما زالت تراوح مكانها، والمشكلة مع الإدارة الأميركية وتصريحات ولش الساخنة، واستخدامه لغة غير مألوفة لا يمكن أن نعتبره إلا تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني».
بدوره أكد النائب ميشال المر أن المجلس ليس مقفلاً، وقال: «ما يحصل، أنهم يدعون إلى الجلسة، ونأتي ولا يحصل النصاب القانوني، فيضطر الرئيس بري إلى التأجيل»، وتساءل: «هل يحل أي شيء في لبنان من دون حوار؟».
وإذ كرر رفضه للفراغ، أكد أنه «لا يجوز أن يصبح هناك رئيس للجمهورية وحكومة من دون موافقة الشيعة، إذاً أنا لا أقول أن ينتخب المسيحيون فقط، إنما المسيحيون في التكتل (التغيير والإصلاح) يجب أن يكون لديهم موقف واضح»، مشيراً إلى أن التكتل «جسر للشيعة، وأنا جسر عند الشيعة لمطرح ثانٍ، وعندما يشرحون الوضع تماماً على الساحة المسيحية، أكيد حزب الله يتجاوب، لأن الحزب مضطر لأن يقف مع الجنرال (ميشال عون)».
وكان المجلس قد شهد خلوة بين المر ونواب تكتل «التغيير والإصلاح»: إبراهيم كنعان ونعمة الله أبي نصر وفريد الخازن.
وانتقدت الأمانة العامة لمنبر «الوحدة الوطنية» (القوة الثالثة)، بعد اجتماعها برئاسة الرئيس سليم الحص المواقف السلبية من مبادرة بري، مشيرة إلى أن «سلبية السياسيين الخرقاء غير المبررة باتت تلامس حدود الخيانة للوطن». وقالت: «إذا كان إنقاذ المصير الوطني يتوقف على حوار يعقد بين ساسة لبنان، فما هو عذرهم في عدم تلبية دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري؟» وتحدت «فريق السلطة أن يقترح البديل من الحواروتوقف «اللقاء الوطني اللبناني»، خلال اجتماعه الدوري أمس في منزل الرئيس عمر كرامي في الرملة البيضاء، عند زيارات ولش للبنان وتصريحاته «التي لا تنذر إلا بشؤم وشر مستطير»، ورأى «أن الهجوم الذي يتعرض له الجنرال ميشال عون وتياره من الإدارة الأميركية ومندوبيها هو محاولة دنيئة لمحاسبته على ثباته الوطني الجامع الضامن للسلم الأهلي والمطالب بالسيادة والحرية والاستقلال».
وأسف «اللقاء» لسقوط ضحايا في زحلة، واصفاً الحادث بأنه «فردي استُغلّ من سلطة الأمر الواقع، التي تعطل الوفاق بين اللبنانيين».
ورداً على سؤال عما ذكرته الحكومة السعودية عن عملية هيمنة على لبنان، أشار كرامي إلى أن الكل يتدخل في لبنان، داعياً الجميع إلى رفع أيديهم عنه «من أجل أن يتحقق الاستقلال الحقيقي والسيادة الحقيقية». وأكد «أن المعارضة متماسكة في الثوابت حتى عندما تصدر مبادرة عن أحزاب أو تيارات أو شخصيات في المعارضة لا أحد يعترض».
وخلال استقباله وفداً من الحزب الديموقراطي اللبناني، أكد رئيس التنظيم الشعبي الناصري، النائب أسامة سعد، أن «عدم استجابة الأكثرية لنداء المعارضة للحوار، سيؤدي إلى مزيد من التوتر وانسداد الحل للأزمة على المدى المنظور». وانتقد «تنبؤات جعجع بحصول اغتيالات على الساحة اللبنانية»، وقال: «من عنده معلومات فليدلِ بها إلى القضاء اللبناني».
من جهة أخرى، تراجعت السفارة الأميركية في لبنان عن تصريحات ولش بشأن صيف لبنان، وأشارت في بيان إلى أن ولش قال رداً على سؤال: «إن اللبنانيين قد أعربوا له عن قلقهم من أن القطاع السياحي قد يعانى مرة أخرى هذا الصيف بسبب التوتر في هذا البلد».
ووسط هذه الأجواء، تابع السفير المصري أحمد البديوي جولته على المرجعيات السياسية والروحية، والتقى أمس المرجع السيد محمد حسين فضل الله ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. وأكد البديوي حرص بلاده على حل الأزمة اللبنانية.
ومن بنشعي أكد السفير الإيراني محمد رضا شيباني بعد لقائه رئيس «تيار المردة»، الوزير السابق سليمان فرنجية «الموقف المبدئي والثابت للجمهورية الإسلامية الإيرانية المتمثل بمساعدة لبنان الشقيق لخروجه من الأزمة السياسية التي يعاني منها حالياً».
وعن العرض الإيراني للوساطة بين سوريا والسعودية، لفت شيباني إلى أن بلاده لها علاقات جيدة مع السعودية وعلاقات مميزة واستراتيجية مع سوريا، مؤكداً أن جهود إيران كانت قد بدأت سابقاً، وما زالت مستمرة. ورأى أن اللقاء الفرنسي ــ السوري يؤدي دوراً في التقليل من أزمات المنطقة

تشييع غاضب في زحلة

على صعيد آخر، شيع حزب الكتائب وقوى 14 آذار الزميل نصري ماروني وسليم عاصي في زحلة في ظل إقفال عام وأجواء حزن وغضب سيطرت على المدينة مع تصاعد في حدة الخطاب السياسي المحلي. وقد جاب موكب التشييع الذي تقدمه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل وأعضاء المكتب السياسي للحزب، شوارع زحلة الرئيسية، وصولاً إلى بيت الكتائب، ومن ثم إلى كاتدرائية سيدة النجاة، حيث أُقيمت الصلاة التي ترأسها المطران أندره حداد الذي دعا إلى يوم عمل عادي في المدينة اليوم، مؤكداً «أننا عن نسكت على هذه الجريمة النكراء».
وبعد الرقيم البطريركي الذي تلاه المونسنيور يوسف طوق وكلمة لعضو المكتب السياسي في حزب الكتائب جورج جريج، ارتجل الرئيس الجميل كلمة مقتضبة قال فيها: «سأبق البحصة في الوقت المناسب، فنحن لم نعرف من قتل بيار ولا أنطوان (غانم)، ولكن نعرف من قتل نصري ماروني وسليم عاصي، وأعدكم بأن هذه الجريمة لن تمر ولن تمر ولن تمر».
وكان الجميل قد توجه في تصريح إلى النائب إلياس سكاف بالقول: «أنت تقحم نفسك وعائلتك بمعركة أكبر منك، إضافة إلى أنك تقحم زحلة بمعركة لا علاقة لها بها، لكنها ستدفع ثمنها»، وأضاف: «لا تلعب بالنار، لأنك تعرف من هي الكتائب، وتعرف أنها تتصرف بمسؤولية لحماية تاريخها النضالي».
من جهته، دعا سكاف إلى كشف ملابسات الحادثة التي وضعها في إطار الحادث الفردي، مطالباً مطلقي النار بتسليم أنفسهم. واتهم الموالاة «بصب الزيت على النار» واستثمار الجريمة في السياسة، سائلاً الرئيس الجميل «عن سبب توجيه الاتهامات له ولعائلته»، مذكراً بدعم آل سكاف التاريخي لآل الجميل. ورأى أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان تغير ولم يعد رمز التوافق.

«حزب الله»: لا أحد يجرّبنا

في غضون ذلك، أطلق نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم سلسلة مواقف خلال احتفال للحزب لمناسبة الذكرى الثلاثين لاعتقال عميد الأسرى سمير القنطار في مدرسة شاهد ـــــ طريق المطار. وحمّل قاسم مجلس الأمن والدول الكبرى مسؤولية إطالة الأزمة المرتبطة بالأسرى والمعتقلين، «لأنهم دائماً يتصرفون بطريقة غير مبالية، فإذا تكلموا معنا عن الأسرى مرة في كل سنتين أو ثلاث، فلأننا نسألهم، ويحاولون التفكير مراراً هل لنا أسرى في السجون الإسرائيلية»، مؤكداً «أن المسار التفاوضي حول الأسرى مستمر».
وتطرق إلى الوضع الداخلي، موضحاً «أن لبنان اليوم واقع بين خيارين: خيار الوصاية الأميركية وخيار المقاومة والسيادة».
وبعدما سأل ولش: «هل تهديدك بالصيف الساخن لإخافتنا أم لاستدراجنا إلى الاستسلام؟»، أكد قاسم «أن عندنا ما يعيد السخونة إلى مصدرها إن شاء الله وأكثر، لا أحد يجربنا والذي يجرب المجرب كان عقله مخرب».
وقال: «جاءنا دبلوماسي عربي، وقال: أنا أملك حلاً. سألناه ما هو الحل، قال: إذا عندكم مشكلة في المعارضة لبعض الأشخاص تريدونهم أن ينجحوا في الانتخابات نضع قانون الانتخابات بما يناسبهم، شرط أن نكمل قانون الانتخابات الذي يناسب الموالاة لكلٍّ كما يريد. يعني إذا في 2 أو 3 يريدون أن يعملوا نواباً نمررهم، ولكن بالمقابل يأكلون البلد كله».
وأكد قاسم «رفض الهيمنة الإقليمية والدولية على لبنان من أي جهة أتت، وعلى الطامحين أن ييأسوا بوجود هذا الشعب اللبناني المقاوم والسيد»، مؤكداً «أن النصر لنا».