بيسان طيفي عام 1995 تمت احتبارات على لغة «VRML» وهي لغة تقنية لتوصيف العالم الافتراضي بأبعاد ثلاثية، وكان بعض المروّجين لها يأملون أن «تسهم في تحويل الشبكة الافتراضية إلى شبكة ثلاثية الأبعاد» ولكن هذا المشروع فشل، وطُوي الكلام عنه.
أدّت الألعاب على شبكة الإنترنت دوراً مهماً في استمرار مفهوم الحقيقة الافتراضية، أو الحث على تطويرها، ومثّل موقع «second life» المحطة الأبرز أو «الولادة الثالثة». كما يدل عليه اسمه، يعد الموقع زائريه بحياة ثانية، القرارات وأساليب التحرك سهلة، والمنغّصات والواجبات أقل مما هي عليه في حياتنا الواقعية، إنها حياة افتراضية بكل ما تحمله العبارة من معانٍ، والتوغل فيها يُنسي زائر الموقع أحياناً كثيرة تلك الحدود الفاصلة بين الجد واللعب، فترجح كفة شخصيته التي رسمها لنفسه في الموقع على شخصه الحقيقي خلال أوقات «التسلية» في الموقع.
إلّا أنه تجدر الإشارة إلى أن «الولادة الثالثة» للحقيقة الافتراضية لم تتمّ بفضل إنجازات تقنية مهمة فحسب، بل إنها تعود بالدرجة الأولى إلى استراتيجية تجارية أو تسويقية في إطار عملية البحث عن آليات تسمح بتجميع الإعلانات والمال من خلال الإنترنت.
نشرت مجلة «Futura Sciences» نتائج بحث أعدّه باحثون أميركيون قسّموا في إطاره «العوالم الافتراضية» إلى أربع فئات: العالم الافتراضي المبسّط (كالمواقع على شبكة الإنترنت)، وعوالم الحقيقة المضاعفة كالمنتديات الاجتماعية الافتراضية، وعوالم يدوّن فيها الزائر معلومات ترتبط بحياته، والعوالم المرايا، وفي الفئة الأخيرة يصح أن الزيارة إلى عالم افتراضي هي أشبه بزيارة إلى عوالم الإنسان الداخلية.
وماذا بعد «second life» و «warcraft» وغيرهما؟ انتهى النقاش حول جدوى وجود عوالم افتراضية، أو أنه جرى الاستغناء عن هذا النقاش لمصلحة ضرورة تطوير هذه العوالم، وهو تطوير سيطاول في المرحلة الأولى الناحية التقنية، فقد لفتت مجلة «technology Review» إلى أن الشركة التي تدير موقع «second life» تحتاج كل أسبوع إلى نحو 120 خادماً (serveur) إضافياً ليتمكن الموقع من استقبال وافدين جدد، وأشارت المجلة إلى أن كل خادم يسمح بتحركات نحو 15 زائراً.
الحل الذي اختارته إدارة «second life» لا يعدّ حلاً عملياً بالنسبة إلى الحالمين بخلق عوالم افتراضية جديدة ومتحركة، وقد يكون برنامج croquet من الحلول المعتمدة في مواقع جديدة. ويعتمد هذا البرنامج تقنية «peer to peer» وهي شبكة تسمح بالتواصل بين حاسوبين (أو أكثر) بشكل يساوي بينهما، وتسمح لملايين من الزوار بأن يتواصلوا من خلال شبكة واحدة فيتعرّفوا إلى ملفات يجري حفظها في الشبكة. التطوير التقني حاجة ملحة بالنسبة إلى الراغبين في الاستثمار في العوالم الافتراضية، وهو أمر شاع الكلام عنه، ولكنْ ثمة سباق خفي آخر في هذا المجال، سباق على الأفكار والابتكارات لم تحدّد ملامحه، فكما أدخلت محركات البحث ومواقع أخرى أعضاءً جدداً إلى نوادي الأثرياء، لا بد من أن تفتح مواقع الحيوات الافتراضية الباب لمنتسبين جدد إلى هذا النادي.
وفي إطار الكلام عن الثراء، تجدر الإشارة إلى مسألة تشغل دارسي السلوكيّات التي تنتجها هذه العوالم، فقد أسهمت «second life» في الترويج للمال الافتراضي. باحثون أميركيون ــــ كرادولف هاريسون وأدوارد كاسترونوفا ـــــ يرون أن تطوير الاقتصاد الافتراضي أو «الاقتصاد الموازي» من أهم التغييرات الاجتماعية التي ستحدثها مواقع العوالم الافتراضية.