فداء عيتانيفجيعة المتعاطين بالشأن العام ليست فقط اضطرارهم للصمت في وجه من يحرّضون عليهم، بل أيضاً تقبل الذين يعلمون جيداً تورطهم في الخيانة، والخيانة ليست هنا بالمعنى المجازي أو السياسي، بل الخيانة الوطنية، التي لو كنا في بلدان أخرى لكنا شاهدنا مشانق تعلّق لمرتكبيها. يضطر متعاطون في الشأن العام للصمت، ويدفعون بعيداً من ذاكرتهم الصور التي تراودهم لقادة وزعماء طوائف ساهموا في الاعتداء على هذه البلاد، وفاوضوا باسم العدو ولمصلحة العدو، وحاولوا إعطاء ضمانات بدلاً من العدو وحلفاء العدو. وكل يوم يمر يتذكرون بلوعة اضطرارهم للتعامل مع الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يبيعون دماء اللبنانيين، والأنكى أنهم اليوم يتهمون الآخرين بالتبعية والعمالة إلى آخر ما هنالك من صفات ونعوت. ليس هؤلاء وحدهم من نضطر لتحمّلهم كل يوم بفعل ثقل الزعامة الطائفية وتحكمها في هذا النظام، بل أيضاً نتحمل أولئك الذين خلال الحرب عقدوا التسويات في انتظار حصصهم بالمساعدات «من أجل إعادة إعمار لبنان». سنتحمل المزيد ما دامت البلاد في عهدة قبائل الطوائف ورموزها.