تحوّلت العلاقات بعدما سدّد سعد ثمن مواقفه كاملاً لسورياخالد الغربي

توصف العلاقة راهناً بين التنظيم الشعبي الناصري وحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بـ«غير الدافئة»، خلافاً للعلاقات التاريخية التي كانت على مرّ السنين حارّة لـ«الغاية» و«شهر عسل» دائم، وشكلت ثنائية منسجمة في تلك المنطقة لدرجة أن السوريين أطلقوا أبان حرب المخيمات على الراحل مصطفى سعد وتنظيمه تسمية «العرفاتيين»، وهي تسمية كانت تطلق على من سيكون «ورقة للحرق» في السياسة وغير السياسة.
وبالفعل كان ملف العلاقة الفلسطينية ــ الناصرية الصيداوية من جملة البنود في فاتورة استحق دفعها لحظة إعادة تكوين السلطة ما بعد الطائف (وبطبيعة الحال ما قبل الطائف، إذ غاب الدعم السوري المباشر لجبهة الناصريين وحلفائهم في كفرفالوس وضرب التمدد الناصري في البقاع). سلطة عرّابها الوصيّ السوري حرم سعد وتنظيمه ولوج جنّات السلطة الجديدة (من التعيينات النيابية أولاً ثم التوزير ومنع الاستيعاب الفعلي لعناصر ميليشياته شأنه شأن سائر الميليشيات في الجيش بعد الحرب، ولا توظيفات ولا مراكز إدارية لا من الفئة الأولى ولا حتى العاشرة).
سدّت كل المنافذ والأبواب، وجواب السوري متى سئل عن هذا الحصار السياسي المفروض على فريق مقاوم: «هم اختاروا طريقاً غير طريقنا خلال معركتنا المفتوحة مع عرفات وعليهم أن يدفعوا الثمن».
التباين في وجهات النظر بين قيادة المنظمة والشعبي الناصري يمكن إعادته إلى مرحلة تشكّل الخيارات وما تفرضه من عدة شغل جديدة، تحديداً بعد رحيل عرفات، ونسج تحالفات تتطلب ليس انفتاحاً فقط على قوى نشأت حديثاً في عالم متغير، بل انسجاماً مع شعارات مختلفة عن تلك التي سادت حقبة من الزمن يصفها البعض بالخشبية والصنمية، وأيضاً التضحية بعلاقات قائمة وتشذيبها أو تحجيمها مع حفظ ماء بعض الوجوه.
وبهذا المعنى، يرى المراقبون أن المنظمة باتت، وهي تدافع عن نفسها كمشروع سلطة (وليس كمشروع تحرير) أقرب إلى من هم في السلطة في لبنان. إذاً هي علاقة سلطتين محظيّتين بالرعاية الأميركية وغير الأميركية في مواجهة ما تعتبران أنه خطر على سلطتيهما، وخصوصاً مع الخلط وعدم التمييز بين دور السلطة الفلسطينية في الداخل وعمل المنظمة ونضالها في الشتات، فذهب القيّمون على المنظمة في لبنان في مواقفهم المنحازة إلى السلطة، رغم الحياد الإيجابي المعلن والمتكرر من المنظمة، «أبعد» بكثير من ممارسة براغماتية اعتادت المنظمة اعتمادها تاريخياً في مقاربتها للعلاقات بالقوى والأطراف على امتداد العالم، «وما نخشاه هو أن يكون «العيش في جلباب» السلطة وفريق الموالاة في لبنان بات خياراً يأنس له قادة فلسطينيون في لبنان».
هذا على المستوى العام، أما عن علاقة الطرفين المنغصة راهناً فتذكّر مصادر في التنظيم الشعبي بجملة معطيات، فضلاً عن سعي بعض المراجع الفلسطينية إلى تعطيل ورقة «النائب سعد» التي طرحت قبل أكثر من عامين كمدخل لتوفير مظلة آمنة لعلاقة لبنانية ـــــ فلسطينية، ومنها انحياز إلى السلطة في المدينة. وحتى بعض القيّمين على الوضع الفلسطيني مارسوا عن قصد أو غيره سياسة التحريض المذهبي في بيئة فلسطينية كانت دائماً بعيدة عن الطائفية، وصولاً إلى ما يعتبره الناصريون «الإقامة» الدائمة لشخصيات فلسطينية وحتى غير فتحاوية في مجدليون (دارة النائبة بهية الحريري)، «ويحاولون عدم إزعاج أهل الفيلّا بأية علاقة طبيعية معنا، والبعض منهم يستحي ويتنكر للتاريخ الطويل ويتذرع بظروف أمنية تحول دون التواصل معنا».
ورغم الأزمة المكتومة والعلاقة غير الدافئة، فإن حبل التواصل لم ينقطع ولن ينقطع (وهناك اجتماعات مستمرة) بين الناصري وقيادة المنظمة. وترى مصادر في التنظيم أن الناصري ليس بنادم على اندفاعته اللامحدودة حيال القضية الفلسطينية «وسنواصل دعمنا لهذه القضية بمعزل عن تصرفات هذا المسؤول أو ذاك». وما يريح بال الناصري أن قاعدة عريضة من الفلسطينيين لا ترى في تصرفات بعض الدوائر الفلسطينية في لبنان أمراً صحّياً، وهذا ما يدفع دائما النائب أسامة سعد إلى القول أمام مناصريه وفي مجالسه الخاصة «دعونا نميّز بين انتمائنا لهذه القضية وثوابتنا القومية وقضية فلسطين كقضية مركزية وانحيازنا للشعب الفلسطيني، وبين تصرفات بعض الشخصيات. فليشرّقوا وليغرّبوا، في نهاية الأمر سيكتشفون الحقيقة ولن يكون منزل معروف سعد إلا إلى جانبهم».
وينتقد عضو قيادة التنظيم الشعبي الناصري ناصيف عيسى بشدة بعض الأطراف الفلسطينيين في لبنان الذين يقدمون «صكوك الغفران والبراءة لمن تلطّخت أيديهم بدماء الفلسطينيين وقاموا بذبحهم، فيما لم يعد هؤلاء القتلة عن أخطائهم ولم يعتذروا، إنه اعتذار الضحية من القاتل». ويقول عيسى موجهاً كلامه لبعض الفلسطينيين، قاصداً رئيس ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي دون أن يسميه: «الحكومة اللبنانية التي تجتمعون بها وتتحدثون من منابرها ليست معكم، بل تتآمر عليكم وتنفذ قرارات تعسفية بحقكم، حكومة دمرت نهر البارد وتتآمر لتدمير مخيمات أخرى. ونقول إن من يريد أن يكون مع فلسطين فليقرّ بالحقوق الإنسانية والمدنية للفلسطينيين في لبنان ولا يتعامل مع المخيمات كملف أمني، وليعط الفلسطيني حق تملك منزل يسكن فيه، وكفى محاولات استغلال الفلسطينيين في لبنان، ونقول للبعض: لا تصافحوا من قتل 6 آلاف فلسطيني ولا تعطوه صك براءة. ولم يكلف عناء القول إننا أخطأنا، بل قال إن مقاومته بدأت عندما قتلكم».


صيدا الحرب

خلال الحرب الأهلية كانت صيدا تعتبر آخر معقل للجماعات المختلفة في كل شيء ما عدا المقاومة، حيث كانت قوى الحزب الشيوعي اللبناني والفصائل المختلفة من منظمة التحرير الفلسطينية، إضافة إلى الجماعة الإسلامية وقوات الفجر والحزب الديموقراطي الشعبي والجهاد الإسلامي تتحرك بحريتها تحت رعاية ونظر الشرطة العسكرية في جيش التحرير الشعبي ــ قوات معروف سعد، وكانت صيدا هي النقطة الآمنة الوحيدة عملياً في لبنان التي يمكن أنصار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات التحرك فيها علناً، بينما كان عناصر المخابرات السورية جاهزين لاعتقال من تسوّل له نفسه منهم الخروج نحو الرميلة، والأمر نفسه كان يحصل جنوباً على حواجز حركة امل.