أنطوان سعدتتوقف أوساط معارضة بكثير من الدهشة أمام سلبية موقف الأكثرية النيابية إزاء طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري الجديد عن الاكتفاء بـ«إعلان نوايا» في مسألة قانون الانتخاب، مقابل حضور المعارضة جلسة انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان. وترد أوساط موالية على هذا الكلام بالقول «إن الدهشة نفسها اعترتنا عندما ارتضينا قائد الجيش مرشحاً توافقياً، وعندما أقررنا ضمناً أن نصاب جلسة الانتخابات الرئاسية هو الثلثان، ورفضت المعارضة مع ذلك تأمين نصاب جلسة الانتخاب».
يلاحظ المتابع أن الطرفين المتنازعين في لبنان متأكدان من أن لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، وقد عبّر عن ذلك الرئيس المصري حسني مبارك أول من أمس، بقوله إن الانتخابات قد تتأخر سنة كاملة. وما كل التنازلات المفترضة سوى وسيلة ضغط إضافية يحاولها الفريق الذي يقوم بها من أجل إحراج خصمه وتحميله مسؤولية العرقلة، بدءاً من اقتراح رئيس كتلة نواب المستقبل سعد الدين الحريري على رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون المتعلق بالثلاث عشرات في الاجتماع الرباعي في مجلس النواب، مروراً بالعرض الذي قدمه الوزير السابق سليمان فرنجية بالاكتفاء بالاتفاق على قانون الانتخاب، والتخلي عن مطلب الثلث المعطل مقابل تأمين نصاب جلسة الانتخاب، وصولاً إلى طرح الرئيس بري بشأن إعلان النوايا.
فالنائب الحريري كان يعوّل على رفض العماد عون الذي كاد يقع في الفخ، لولا أن رئيس مجلس النواب لفت نظره إلى المسألة، والوزير السابق فرنجية ارتجل موقفه في المقابلة التلفزيونية دونما اتفاق مع حلفائه، ورهانه كان على رفض الموالاة له، والرئيس بري يدرك تمام الإدراك أن لا مجال لما يطرحه من عملية حوار.
وبحسب شخصية سياسية مخضرمة بارزة، ثمّة عوامل أربعة تساهم في حال الجمود والانقسام القائم في لبنان:
1 ــ النزاعات المذهبية وصراعات النفوذ الدائرة في المنطقة، التي تتداخل فيها المصالح الدولية العديدة المعروفة، والثوابت المتعلقة بالنزاع العربي ــ الإسرائيلي وحماية منابع النفط.
2 ــ شخصيتا الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد. فالأول يتمتع بشخصية تمزج بين المسائل السياسية والمزاج الخاص، ولا تهاب الصدام، ولا تناور، ولا تقيم وزناً لأكلاف سياسة المواجهة التي يمضي فيها لأسباب متعددة، منها ما هو مرتبط بحرب النفوذ المذهبية في المنطقة، والثاني تنقصه الخبرة في إتقان سياسة اللعب على شفير الهاوية، ومعرفة أوان الإقبال والإدبار في شكل دقيق، وقطف الثمار بأقل أضرار.
3 ــ ارتباط كل من القيادات الإسلامية في المعسكرين الموالي والمعارض بحلفائه في شكل تام، دونما هامش حرية يذكر، وانتظار الضوء الأخضر قبل كل تحرك، بما يذكّر بوضعها أيام الهيمنة السورية. إذ مَن تغيّرت مواقفه من النظام السوري بعد ثلاثين سنة إنما فعل ذلك بموافقة راعيه الإقليمي، إن لم يكن بطلب منه. وبالتالي، لا يمكن توقع مبادرة داخلية من هذه القيادات منعزلة عن الواقع الدولي والإقليمي المؤثر على ما يجري في لبنان.
4 ــ اضمحلال الدور المسيحي في المعادلة اللبنانية، أولاً بسبب الفراغ الرئاسي، وثانياً لأسباب متعلقة بالقيادات السياسية المسيحية التي تذوّب نفسها في هذا الفريق أو ذاك، سعياً وراء طموح جامح أو مكسب سياسي ومالي، أو لتصفية حسابات قديمة وجديدة، أو استجابة لطلب مراكز نفوذ دولية. وقد كان العديد من الشخصيات السياسية والدينية والإسلامية تأمل، قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد إميل لحود، أن يتمكن القادة المسيحيون من تأمين توافق على انتخاب خلف له، ولعب دور في عملية شد أواصر العلاقات بين الفئات الإسلامية السنية والشيعية المتخاصمة. وثمة مَن يرى أن الدور المطلوب من القادة المسيحيين متاح دائماً أمامهم إذا ما توافرت لديهم النية لذلك.
وفي إطار تحميل القيادات السياسية المسيحية جزءاً من مسؤولية المأزق الحالي، ترى شخصية مارونية مستقلة أن إلقاء التبعة على هذه القيادات ظالم بعض الشيء، على رغم اقتناعها العميق بعمقها سياسياً وأنانيتها وعدم تمتعها بالعديد من الصفات القيادية، ذلك أن القيادات الإسلامية ليست أفضل منها بكثير، لكنها تتمتع بدعم دولي سياسي لا حدود له، ومالي يتخطى سنوياً مئات ملايين الدولارات، بما يجعلها الآمرة في كل من المعسكرين المتخاصمين. فيما الدعم للجانب المسيحي لا يتخطى حدود وعود مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ولش الكلامية التي لا تأتي سوى بالمزيد من الإحراج للمسيحيين المتهمين دائماً بأنهم أصدقاء غربٍ لم يتعرّف إليهم منذ أن أعطاهم دولة لبنان الكبير سنة 1920.
أما العوامل وراء استمرار الأزمة فلا مجال لإيجاد علاج لها إلا في إطار التسويات الدولية، باستثناء العامل الرابع الذي يمكن، لكن بكثير من الجهد والحظ، معالجته داخل لبنان.