نقولا ناصيفيفترق رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط عن بعض حلفائه في قوى 14 آذار بموقفه من الحوار الوطني. يفضّل أن يتحدّث عن موقفه هو، ويترك للآخرين، أو للاجتماع المرتقب لقوى 14 آذار، تحديد الموقف النهائي من دعوة الرئيس نبيه برّي إلى جولة جديدة من هذا الحوار.
لكن حلفاءه يدركون أيضاً أن الخيار ـ وليس الموقف فحسب ـ الذي يحمله الزعيم الدرزي هو الذي يرجّح الكلمة الفصل. منذ 14 شباط 2005، على وفرة التنوّع في هذا الفريق، تصرّف جنبلاط باستمرار على أنه قائده الفعلي. كان أول مَن جمعهم، وشدّ عصبهم ضد سوريا، وأول مَن أسقط الخوف حيال أكثر من محرّم في اللعبة السياسية، بإزاء دمشق وأفرقاء آخرين، وأول مَن انتقد وصول عسكري إلى الرئاسة، وأول مَن أوحى بأن الشارع يقف في وجه الشارع، وأول مَن هدّد بنصاب النصف الزائد واحداً ثم وقف ضده في وجه نزق الآخرين، وأول من شرّع صفة التوافق على قائد الجيش العماد ميشال سليمان. هو، في فريقه، أول مَن يعرف أوان التسوية، وأول مَن يعرف مغزى التسوية اللبنانية.
كلا الرجلين، برّي وجنبلاط، منذ أكثر من ربع قرن، يحكمان البلد، عندما يكونان في المعارضة معاً، وعندما يصيران في الموالاة معاً، وعندما يكون أحدهما في الموالاة والآخر في المعارضة، وعندما يكونان حليفين لسوريا، وعندما يظلّ أحدهما حليفاً لسوريا والآخر عدواً لهما. منذ عام 1983 وهما يمسكان بناصيتين: قرار الحكم، وبناء التوازن الداخلي وتحريك الشارع. وعندما دخل الرئيس رفيق الحريري في معادلتهما، أضحت ثلاثية. اليوم يمثّل الرجلان ـــ مهما يكن ما يقال عن هذا وذاك ـــ صمّام أمان تجنيب لبنان الفتنة. بسبب ذلك يلتقط أحدهما إشارات الآخر. وبسبب ذلك يقول برّي عن جنبلاط إنه الصديق اللدود، وجنبلاط عن برّي إنه الوحيد المؤهّل للاتفاق معه.
نجح برّي وجنبلاط في خدعة أعدائهما إذ بيّنا لهم، ولحلفائهما في آن واحد، أنهما ليسا صنيعة سورية. إنه الغشّ المشروع الذي يجعلهما قادرين على جرّ حلفائهما حيث ينبغي أن يكون الأمان في لبنان. بسبب ذلك أيضاً وأيضاً فهم الزعيم الدرزي ما توخّاه الزعيم الشيعي من الحوار: «البديل من الحوار يعني أننا ذاهبون إلى الفراغ في مجلس النواب أيضاً السنة المقبلة. وإذا كان الخصم يريد هذا الفراغ فواجبنا أن نحرجه به ونربكه».
وبحسب جنبلاط، إن دعوة رئيس المجلس إلى الحوار للبحث في بندي حكومة الوحدة الوطنية أو الائتلاف الوطني ـــ كما يحبّذ ـــ وقانون الانتخاب، يقتضي تلقّفها لأن الحوار الوطني السابق أثبت جدواه، وأعطى الغالبية مكاسب لا تستطيع أن تنكرها، وإن لم تُنفّذ. هي مكاسب أجمع عليها أفرقاء طاولة الحوار وتناولت موضوعات لم يكن سهلاً التوّصل إلى الإجماع عليها، كالعلاقات الدبلوماسية مع سوريا وترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية.
ويضيف: «لا نستطيع رفض الحوار، ولا يمكن رفض مبدئه، وأنا مصرّ على العلاقة مع الرئيس برّي. يمكن أن نذهب إلى الحوار من غير أن نكون خائفين. تبقى هناك مآخذ على طريقة إجراء هذا الحوار. يمكن الاتفاق عليها دون أن نعود إلى الطاولة المستديرة نفسها ويجلس الأعضاء الـ14 ونعاود الحوار كما حصل سابقاً. ولكن لا بد لقوى 14 آذار من أن تحدّد موقفها من قانون الانتخاب، وأي قانون تريد. في كل دول العالم، في فرنسا وإيطاليا مثلاً، كل حزب في الحكم وخارجه يناقش قانون الانتخاب وطبيعة الاقتراع فيه، أكثري أو نسبي، وتقسيم الدوائر. كي نتفق، على كل من الأفرقاء أن يتنازل قليلاً عن شروطه حول قانون الانتخاب. ليس بالضرورة أن يفكر كلّ منّا في القانون الذي يقبل به كي يصل هو أو هذا الحليف أو ذاك إلى المجلس. على الطامحين أن يحملوا أنفسهم بأنفسهم إلى المجلس من خلال شعبيتهم. لذلك في الإمكان الاتفاق على قانون الانتخاب. الرئيس برّي قال إنه منفتح على كل الاقتراحات إذا كنا جدّيين. إذا كان هو جدّياً وكنا نحن جدّيين، نستطيع التوصّل إلى اتفاق حول بندي الحوار، وننتخب رئيساً للجمهورية».
وكيف يرى سبل التفاهم على تأليف حكومة الوحدة الوطنية؟ يقول الزعيم الدرزي: «سبق أن توافقنا على مخرج، وهو أن لا يكون هناك ثلث معطل لفريق، ولا أكثرية مرجحة لفريق آخر. أي لا نعطي المعارضة حق التعطيل ولا قوى 14 آذار الأصوات التي تمكّنها من ترجيح الكفّة التي نسمّيها الأكثرية القابضة. سبق أن طرحت معادلة 14 ـــ 10 ـــ 6. الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى طرح معادلة 13 ـــ 10 ـــ 7. لا أعرف إذا كان الطرف الآخر يريد أن يمشي في تفاهم كهذا. إلا أن من الممكن التوصّل إلى صفقة سياسية مع الرئيس برّي. وأنا أصرّ على الاتفاق معه وعدم تفويت فرصة يتيحها كرئيس للمجلس وكرئيس لحركة أمل. لا أريد الدخول في التفويض المعطى لغيره، وهو تفويض تكتيكي من أجل الوصول إلى أفق مسدود. أناس كهؤلاء فوّض إليهم الحوار وهم لا يفهمونه، ولا يفهمون التسوية، وتاريخهم العسكري مشهود. لا أريد التحاور إلا مع الرئيس برّي لأنه أكثر مَن يضمن هذا الحوار حتى لو كانت لنا ملاحظات على إقفال أبواب المجلس. نبيه برّي أساسي في الشيعة، سواء كانوا من حزب الله أو من المستقلّين. ولا أريد أن أحصر الشيعة بأمل وحزب الله. هناك أيضاً المستقلون».
على أنه يوصد سلفاً أبواب التحاور مع حزب الله. لا يريد التحدّث معه، وليس حاضراً للجلوس وإياه إلى أي طاولة، «بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية ووضع بيان وزاري، يمكن الوزراء أن يتحدّثوا بعضهم مع بعض، ونرى عندئذ كيف يكون مسار المرحلة المقبلة من خلال البيان الوزاري. وإذا نجحنا في انتخاب رئيس جديد، فهذا يعني أن حزب الله سهّل الانتخاب بإيعاز سوري وإيراني».
بيد أنه لا يعزو موقفه المتشدّد هذا من حزب الله إلى إقفال الأبواب دون الحوار «لأن لا جدوى منه معه. لا جدول أعمال له سوى تحسين الشروط العسكرية والسياسية لإيران وسوريا من أجل حرب باردة أو ساخنة مع الولايات المتحدة. حزب الله جعل لبنان ساحة لسوريا وإيران، لا أكثر ولا أقل. هناك موضوع سلاحه بينه وبيننا. لا أحد يقول إن مشكلة هذا السلاح ستُحلّ غداً. ننتظر الظروف عندما يصير متاحاً حلّ هذا الأمر، ولكن لا بد أولاً من وضع مبدأ مناقشة مصير السلاح. حمايةً للشيعة وللبنان والاستقرار لا بد من الاتفاق حوله. لا نريده أن يكون في يد بشار الأسد أو أحمدي نجاد، بل في يد الدولة اللبنانية. عندما يأتي الإلهام إلى العقلاء الشيعة، ويعرفون أن السلاح ضرر لهم وللبلاد، نرى عندذاك».
يتحدّث جنبلاط عن أخطار إضافية في لبنان: المياه لأن الينابيع لم تخرجها كما ينبغي في كل سنة. هناك أيضاً الغذاء وزيادة الأجور التي لم ترَ النور أيضاً رغم الكلام الكثير عن أرقامها، مع أن ارتفاع الأسعار استهلك الزيادة قبل أن تقرّ. شؤون كهذه يلاحظ جنبلاط أنها توازي المشكلات السياسية.
وهل يعتقد أن حلفاءه في قوى 14 آذار يريدون التسوية مع الفريق الآخر، يجيب جنبلاط بالإيجاب: «هناك موضوعات عديدة أنجزت إلى حدّ. المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري رغم أن هناك تباطؤاً مقصوداً أو غير مقصود في تأليفها. لا أعرف لماذا تدافع المعارضة عن الضباط الأربعة. ليتركوا القضاء يأخذ مجراه ونخرج المحكمة من السجال، وإلا فإنهم بذلك يضعون أنفسهم تحت الاتهام. أنجزنا أيضاً موضوعات ترسيم الحدود وتحديدها مع سوريا وتبادل العلاقات الدبلوماسية. هذه المسائل هي جوهر العلاقات اللبنانية ـــ السورية، كذلك تثبيت اتفاق الطائف والقرار 1701. هذه مكاسب حصلنا عليها. إذا ذهبنا إلى الحوار نعود بمكاسب كما حصل في طاولة الحوار قبل عامين. حتى لو لم نحصل على قانون الانتخاب الذي يرضي كل قوى 14 آذار. يمكن أن نربح في مكان ونخسر في مكان آخر. من خلال الحوار الجميع يكسب».
ألا يزال يرى قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشحاً توافقياً؟ يقول جنبلاط: «نعم لا أزال أعتبره مرشحاً توافقياً. هناك حملة لتدميره يشنّها كثيرون في المعارضة. لا بديل منه في الوقت الحاضر، بل لا بد من تعزيز موقعه، وخصوصاً إثر الضربات التي تلقّاها بعد اغتيال (اللواء) فرنسوا الحاج و(الرائد) وسام عيد. لست ميّالاً إلى نصاب النصف الزائد واحداً. ليس وارداً عندي. صحيح أنه، نظرياً، حق دستوري، لكنني لا أوافق على المضي فيه. إذا كان هذا النصاب يؤدي إلى توتر في الشارع بنسبة واحد في المئة فلن أوافق عليه. أنا ضد توتر الشارع، ولا قيمة لانتخاب رئيس إذا كان يؤدي إلى ذلك. وأنا أعتقد أن هذا الرأي أثبت صوابيته. هناك تحوّل إيجابي في الشارع في المتن وزحلة. لذلك ينبغي عدم حرق المراحل كي لا نقع في خطأ كبير».