عمر نشابةنجحت المفاوضات التي جرت بين السلطات الأمنية والقضائية والسجناء المتمرّدين في إنهاء التمرّد وإطلاق سراح العسكريين الرهائن السبعة، بعد حوالى عشر ساعات من احتجازهم. ولا شكّ في أن أحد أسرار هذا النجاح كان استمهال السلطة استخدام منطق الفوقية والردع والعنف الذي أصبح جزءاً من نهج الحكم، واستبداله بمنطق العقل ومعالجة المشكلة بعد تحديد كل جوانبها بعمق ودقّة.
انتصر العقل على العنف، فلم تسقط نقطة دم واحدة، وعاد الهدوء إلى أحد أكبر السجون في المشرق العربي. لكن ثمة «تمرّداً» آخر مستمرّاً في إطار مهام الحفاظ على الأمن وتحقيق العدالة، ويفترض أن يُعالج بالطريقة نفسها، ليؤدي إلى النتيجة المرجوّة نفسها. إن إفلات قتلة نصري ماروني وسليم عاصي وعدنان شمص وزياد قبلان وزياد غندور وأحمد محمود وغيرهم كثيرين، من المحاكمة، يُعدّ تمرّداً مستمرّاً على النظام والعدل والإنصاف. ولا شكّ في أن الإفلات من المحاكمة يشجّع القتلة وأشخاصاً آخرين، بداعي الثأر أو بدواعٍ أخرى، على ارتكاب جرائم إضافية.
المطلوب من السلطات الأمنية والقضائية نفسها التي تمكّنت من إنهاء تمرّد سجناء رومية عبر التفاوض الإيجابي الفعّال، وضع حدّ لإفلات الجناة من المقاضاة عبر التفاوض الإيجابي الفعّال مع كل التيّارات والجهات السياسية والحزبية، لإقناعها بفرض كلّ ما لديها من قوّة ونفوذ في عملية البحث عن مشتبه فيهم بارتكاب جرائم.
سجناء رومية المتمرّدون محكومون بجرائم، لكن مطالبهم إنسانية مشروعة، جلّها تحسين أوضاع السجن. لكنّ تيارات لبنان وأحزابه «المتمرّدة» على العدالة، مطالبها غامضة ومتغيّرة، وتبتعد أحياناً عن الحقوق الإنسانية. لذا ستكون المفاوضات شاقّة وصعبة، لكن لعلّ التحدي الأكبر أمام نجاحها هو حفاظ السلطات القضائية والأمنية اللبنانية نفسها على الحياد، وابتعادها عن شتى أنواع الانحياز.