ثائر غندورفي مبنى من ثلاث طبقات في الشارع الذي يسميه أهل مدينة صور «شارع الاستراحة»، يجلس نائبا كتلة التنمية والتحرير، علي خريس وعبد المجيد صالح، في مكتب مؤلّف من ثلاث غُرف. للوهلة للأولى يظن الداخل أنه في إدارة رسميّة. عجقة أشخاص من قرىً مختلفة في قضاء صور. فناجين القهوة والشاي تروح وتجيء. يخرج «الحاج»، كما ينادي الجميع النائب علي خريس، من مكتبه. يسلّم على الموجودين، ويبحث مع أحدهم في قضية ابنه المعتقل بسبب خلافات مع عائلة أخرى. يسأل مساعده إذا كانت التسوية بين العائلتين ممكنة. يطلب منه ملاحقة القضيّة.
يدخل خريس إلى مكتبه المتواضع. تنهال عليه الاتصالات. أغلبها يطلب مساعدة اجتماعيّة. وخريس، كما يقول عنه أحد «الحركيين»، أنه مختار حركة أمل في الجنوب لسعة معرفته بالحركة جنوباً. يتحدّث النائب الجنوبي عن مشاكل المواطنين الذين يراجعونه أربعة أيام في الأسبوع «ولو أتيت يوم الجمعة لكنت هربت بكلّ تأكيد بسبب طوفان الناس».
ينقل النائب عن مواطني منطقته قرفهم من الحالة. «في الفترة الأولى من تحرّك المعارضة، كان الناس يقولون لنا: «نحن معكم» أمّا اليوم، فهؤلاء يتذمّرون، وخصوصاً من الوضع المعيشي، فقد كانوا يشترون حاجات عائلاتهم الشهريّة بـ 300 ألف ليرة، أمّا اليوم، فإن الكميّات ذاتها تحتاج إلى أكثر من 600 ألف ليرة، يقول خريس ويتساءل: كيف تعيش عائلة مدخولها 400 أو 500 ألف ليرة؟».
لهذه الأسباب يُحاول «الحاج» المساعدة. يصنّف الطلبات بنوعين رئيسيين: الصحّة، والمدارس. «نطلب من الذين لا يعانون حالات مرضيّة طارئة الانتظار، أما الذين تكون حالاتهم طارئة، فأستخدم الضغط والصراخ وموقعي من أجل إدخال المريض إلى المستشفى، كما يساعدنا (وزير الصحّة) الدكتور (محمد) خليفة».
في أثناء شرح خريس كيفيّة المساعدة بإدخال مريضٍ إلى المستشفى، رن هاتفه. سأله رجل عمّا حصل في موضوع زوجته في أحد مستشفيات العاصمة. فسأل خريس مساعده: أين وصل الموضوع؟ «إلى لا مكان» أجابه المساعد. تدخل خريس بنفسه. لم ينجح هذه المرّة في انتزاع حسم على الفاتورة، لأن المعنيين بالموضوع ليسوا على السمع. يعد المراجع خيراً عندما تنتهي عطلة الفصح الرسميّة.
كذلك يهتم خريس بتأمين الأدوية المزمنة لـ 380 حالة في المنطقة عبر وزارة الصحّة وعين التينة.
في هذه الأثناء يدخل أحد الأمليين القدامى. يستفز النائب خريس لأنه لم يستطع تأمين رخصتَي سلاح له. يجيبه خريس بأنه حصل على سبعة لمرافقيه، رغم أنه قدّم 15 طلباً. يحاججه الرجل الخمسيني ويعلو صوته قائلاً: «بدك روح عند السنيورة؟ أنا بالحركة من سنة 1975. وأشتغل من أجل الانتخابات من الجنوب لبيروت».
يستعين خريس بمساعده لإقناع الرجل بأنه لم يستطع الحصول على الرخص. لكنه لا يقتنع. يسمي أشخاصاً حصلوا على رخص، «هؤلاء عندهم علاقة ببعض العمداء في الجيش» يردّ خريس.
ثم لا يلبث الرجل أن يفتح موضوعاً آخر: أنت لا تردّ على اتصالاتي. عند هذه الكلمة ينفجر خريس ويقول: «أنت تعرف أن هاتفي لا يكون معي في الاجتماعات، وتعرف أني أداوم أربعة أيام في المكتب بصور، وأنت تدخل حين تشاء، وتعرف رقم المكتب، فلا تقل ذلك». يبتسم الرجل: لقد استطاع أن يستفزّ نائبه.
بعد أن ينتهي الجدال، يعود خريس إلى الحديث عن الواقع المعيشي، فيقول إن حركة أمل تُحاول أن تستوعب الأيتام وأولاد الشهداء بدون مقابل في مؤسّساتها التربويّة، كذلك «نؤمّن على حسم من المدارس الخاصّة يصل إلى 50% بعض الأحيان».
يُعطي «الحاج» هذه الأمثلة عن الواقع ليقول إن الفراغ الرئاسي قد يؤدّي إلى مشاكل أمنيّة وغير أمنيّة، وخصوصاً مع تفشّي ظاهرة السرقة في منطقة صور وغيرها. لهذه الأسباب يقول إن رئيس المجلس يحاول جاهداً إيجاد حلّ للأزمة اللبنانيّة، ويظهر كمن يُقدّم تنازلات إلى فريق السلطة. لكن هذه التنازلات ليست دليل ضعف المعارضة، بل هي دليل قوّة، لأنها تُسمع صرخة الناس وتحاول إيجاد حلّ للأزمات التي لم تعد تُحتمل.
يروي النائب الكثير من تفاصيل تطوّر الحياة السياسية في منطقة صور خلال الأعوام الماضية، لكنّه لا يُقفل باب مكتبه. يدخل عليه كوادر من حركة أمل، فيستعين بهم ليشهدوا على صحّة كلامه قبل أن يقول: «لكن هذه الأمور ليست للنشر. المجالس بالأمانات». بدورهم يؤكّد الموجودون صحّة كلامه، ويزيدون أحياناً.
يُمضي علي خريس خمسة أيّام من الأسبوع في منطقة صور. يسمع صراخ المواطنين الذين يملأون مكتب كتلته النيابيّة. لكنّ دوره لا ينتهي هنا. إنه صلة الوصل بين الكثير من أبناء المنطقة والرئيس نبيه
برّي.