رغم تعدّد حوادث التوقيف في المربعات المختلفة، فقد حظيت الحادثة التي تعرّض لها المسؤول في الحزب الاشتراكي الفرنسي كريم باكزاد يوم السبت الفائت في الضاحية الجنوبيّة بتغطية إعلاميّة واسعة. وعقد باكزاد مع النائب وليد جنبلاط مؤتمراً صحافياً، تحدّثا خلاله عن عملية توقيف أفراد من حزب الله للنائب الفرنسي.وروى باكزاد أنه أثناء تجواله في الضاحية الجنوبية، اقترب منه شبّان فسألوه ومرافقه عن سبب وجودهما في المنطقة وحملهما لآلات تصوير. وأضاف: «أجبتهم وقدّمت إليهم نفسي وأعطيتهم هويتي، ففتشوا آلة التصوير قبل أن يأتي مسلحون ليقتادونا معصوبي العيون إلى غرفة مغلقة بقينا فيها 5 ساعات». ورأى باكزاد أن «هذا التوقيف الاعتباطي يمثّل انتهاكاً لشرعية الحكومةاللبنانية».
وكتب مراسل «الأخبار» في باريس بسّام طيّارة أن قضية باكزاد جاءت كـ«الشحمة على فطيرة مطالب الأسرة الدولية» كما يقول مراقب أوروبي للملف اللبناني، إذ إنه يصفها بأنها «تختصر معظم ما لم يتم تنفيذه» من القرارت الدوليّة ذات الصلة، وإن هو وافق على أن ثمة الكثير من «الإخراج الدرامي السياسي» في استغلال هذا الحادث عبر مؤتمر صحافي «سريع» وصفه بـ«البسيط بالنسبة للبنان ولكنه غير المقبول أوروبياً».
وسألت «الأخبار» باسكال أندرياني الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية ما إذا كان باكزاد قد «اتبع تعليمات وزارة الخارجية المتعلّقة بالسفر إلى لبنان وما إذا كان قد صرّح للسلطات القنصلية عن تنقلاته (في الضاحية) كما حصل لبضع شخصيّات فرنسيّة سبقته»؟ فأجابت بأن الخارجيّة كانت على علم «بمشاركة فرنسيّة في مؤتمر الدولية الاشتراكيّة دون أي تحديد». وتابعت متجنّبة الإجابة المباشرة عن السؤال بأن المسألة ليست في المشاركة، بل «في التوقيف التعسفي واحتجاز حرية باكزاد، وهما أمران لا يمكن القبول بهما»، معيدة التذكير بالبيان الذي صدر مساء الحادثة، وطالبت السلطات اللبنانية بملاحقة الفاعلين وفقاً للقوانين المرعيّة.
ونفت أندرياني لـ«الأخبار» اتصال حزب الله بالسفارة الفرنسيّة في شأن هذه المسألة، واصفة الخبر بأنه «غير صحيح».
ويشير أكثر من مصدر إلى أن «باريس لم تكن بحاجة إلى هذا التأجيج الإعلامي»، فيما تعيش دبلوماسيتها ارتباكاً بين «فترة وداع المبادرة العربية ومرحلة استقبال تدويل الملف اللبناني».
ومن المؤكّد أن هذه الحادثة تزعج أكثر من فريق في فرنسا التي تعود لتواجه «تهمة» محاولة تدويل القضية اللبنانية، فالوزير برنار كوشنير (الاشتراكي) يذكّر بـ«أن ملف لبنان مدوّل ما دام مفتوحاً في مجلس الأمن»، بينما الرئيس نيكولا ساركوزي يود الوصول إلى قمة الدول المتوسطيّة دون فتح ملفات جديدة، ومن المؤكد أنه كان في غنى عن هذا الحادث الذي يبدو مدبّراً لدعم «خطاب الأكثرية» في التنديد بما لم ينفذ من القرارات الدوليّة. أما جنبلاط، فرأى «أن ما حصل هو النتيجة المباشرة لغياب سلطة الدولة عن بعض المناطق»، مؤكداً أن «للدولة وحدها حق التوقيف والاستجواب».
في المقابل، رد حزب الله على المؤتمر الصحافي ببيان تحدّث فيه عن معلومات متوافرة لديه حول «تحركات إسرائيلية لاستهداف شخصيات من الحزب»، راوياً الحادثة بالقول إن أفراداً موجودين «في محيط منزل أحد المسؤولين في المقاومة داخل حارة حريك اشتبهوا بسيارة تحمل شخصين، يكثر أحدهما من التصوير، ما أثار الريبة التي دفعت المعنيين إلى نقل الشخصين إلى أحد الأمكنة للاستعلام عنهما». وشدّد البيان على أنه «كان لا بد من التأكد، وهذا ما لا يحصل خلال دقائق، وخاصة مع وجود تجارب سابقة أتى فيها إسرائيليون بجوازات سفر أجنبية»، مذكّراً بجولة مراسل صحيفة «يديعوت أحرونوت» رون بن يشاي في الضاحية بعد عدوان تموز 2006، والصحافية ليزا غولدمان في بيروت.
وتساءل الحزب ما إذا كان النائب جنبلاط لا يعلم «بحساسيّة وضع الضاحية من الاستهداف الإسرائيلي، وهل يستطيع أحد أن يمر في المختارة أو قريطم أو معراب أو أماكن أخرى من دون تنسيق بسبب الاعتبارات الأمنية؟».
كما استغرب البيان عدم «مرافقة قوى الأمن الداخلي للمندوب الاشتراكي الفرنسي»، مضيفاً أن «السفارة الفرنسية لم تكن على علم بهذ الزيارة».
وقد دخلت الحادثة في إطار التجاذب السياسي، مستدعية ردود فعل مستنكرة أطلقها العديد من السياسيين، أبرزها من حزب القوات اللبنانيّة والنائب أكرم شهيّب وعميد الكتلة الوطنيّة كارلوس إده وعاطف مجدلاني، الذين رأوا أن ما حصل جريمة بحق لبنان، وناشدوا حزب الله العودة إلى «لغة التعقل والحوار والكفّ عن تقويض الدولة»، وردوداً على الردود من معارضين في مقدمهم النائب السابق ناصر قنديل.
يُذكَر أن المادة 570 من قانون العقوبات اللبناني تنص على الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات لكل من حرم شخصاً آخر حريته الشخصية بالخطف أو بأي وسيلة أخرى، مع خفض العقوبة إلى النصف إذا أفرج عنه خلال 24 ساعة.
(الأخبار)