strong>ليس الأمر جديداً، لكنه يتكاثر، بحيث أصبحت تسمعه على لسان معظم الفتيات اللواتي يضطررن لأن يكنّ في أماكن تكون غالباً خالية من المارّة. على الطرقات المؤدية إلى المدارس والجامعات، وحتى في سيارات الأجرة، تفاجأ الفتيات برجال يمارسون العادة السرية أو يتوجهون إليهنّ بكلام مبتذل
ليال حداد

قصة أولى
الساعة الثانية بعد الظهر. تمشي ريتا الحاج من كلية الإعلام والتوثيق ــــ الفرع الثاني في الجامعة اللبنانية، إلى ساحة مار تقلا. الطقس صاح والمشي «يليّن الجسم ويوفّر أجرة سرفيس»، تقول ريتا التي تعوّدت السير إلى الساحة حيث تستقلّ الباص رقم 6 الذي يوصلها إلى أمام منزلها في الحازمية. إلّا أن هذا اليوم كان مختلفاً. أثناء سيرها إلى الساحة مع رفيقتها، تسمع كلاماً بذيئاً يخرج من إحدى السيارات على جانب الطريق. تنظر إلى السائق، فتجده عارياً يمارس عادته السرّية أو ما يفترض أن يكون سرّياً. يصعقها المنظر، تمسك بيد رفيقتها وتكمل طريقها ركضاً باتجاه الساحة: «من يومها لم أعد أمشي، أفضّل أن أستقلّ السرفيس بدل التعرّض لاغتصاب نفسي».
حاولت ريتا إخبار أحد رجال الأمن الذين صادفتهم بما حصل معها، نظر إليها مبتسماً: «أنا شخصيّاً بشو فيي فيدك؟ اغتصبك شي؟ إذا اغتصبك قوليلي وبقلّك وين تروحي وتتشكّي، غير هيك ما فيّي قلّك شي، اترِكوا الشباب ينفّسوا عن مشاكلن». تضحك ريتا بسخرية وهي تتذكّر ردّ فعل الشرطي، «يعني لازم يغتصبني وإحبل يمكن تحتّى يقرّر يتحرّك».

قصّة ثانية

تستقلّ ميسم خليفة سيارتها يومياً من بيتها في الأشرفية باتجاه الجامعة الأميركية في بيروت. سمعت ميسم قصصاً كثيرة عن اعتداءات جنسية وتحرّشات تحصل على الطريق بين الأشرفية والحمرا. لكن هذه القصص بقيت مصيبة تصيب الآخرين، وأكثر تحديداً الأخريات. إلّا أنّ ما تعرّضت له ميسم كان بنظرها أسوأ من الاغتصاب.
كان اليوم ما قبل الأخير من الفصل الصيفي في الجامعة، سمعت وهي تركن سيارتها أمام رصيف عين المريسة أحدهم يتوّجه إليها «بكلام جنسي ومبتذل. نظرت إلى مصدر الصوت، فرأيت أبشع منظر ممكن تخيّله: رجل يستمني وينظر إليّ طالباً مني أن أنضمّ إليه». لم تتردّد ميسم في إيقاف أحد المشاة، وإخباره بما حصل. قالت له حرفياً كما توضح «عمو في حدا بهيديك السيارة ما بعرف شو عمبيعمل وما بعرف شو بدو منّي».
تخجل مما قالته لذلك الرجل «شعرت بأن عمري ثلاث سنوات، كان عليّ أن أقول له، هناك شاب مكبوت جنسياً يمارس عادته السرّية ويقترح عليّ أن يغتصبني». في البداية لم يفهم الرجل عليها، وما إن توجّه معها إلى مكان السيارة، حتى انطلق «المكبوت» بسيارته، فاعتذرت منه وغادرت. وعند عودتها إلى البيت، أخبرت شقيقتها وأمها بما حصل معها، فاقترحت أمها الاتصال بالجامعة وإبلاغهم بما يحصل لعدد من الطلاب، «ولكن في النهاية لا دخل للجامعة بما يفعله المواطنون على الكورنيش». وطبعاً لم يعرف والدي بما حصل، وإلّا «كان أجبرني على ترك الجامعة».

قصة ثالثة

لإيمان كرم قصّة مختلفة عن السابقتين. كانت قد غادرت جامعتها في الأشرفية لتقصد بيت جدتها كما تفعل كل يوم. انتبهت إلى أن إحدى السيارات، وفيها شابان، تلحقها. لم تُعِر الموضوع اهتماماً، «فالتلطيش موضة هالإيام، وفي شباب ما عندن شغلة غير يلحقو البنات». وصلت إيمان إلى الموقف الذي تركن فيه سيارتها، وما إن خرجت حتى رأت الشابين مجدداً، ولكنها وصلت إلى بيت جدتها بسلام.
بعد أسبوع، وفي الوقت نفسه، فوجئت بهما في الموقف داخل سيارتهما، يصرخان ويشتمان ويطلبان منها «أموراً جنسية مقرفة، ويتوجّهان إليّ بكلام أقلّ ما يقال عنه أنه بيلعّي النفس». ركضت إيمان إلى المسؤول عن الموقف، لكن الشابين كانا قد غادرا «إلى مكان آخر، أو بالأحرى جامعة أخرى». استمرّ هذا الوضع لمدة شهر. كلّ أسبوع أو أقلّ تصادف إيمان الشابين وأحياناً أحدهما فقط، إلى أن اشتكت إلى أحد العاملين في شركات الأمن الخاصة، فلحق بهما و«لا أدري ماذا فعل، ولكني من يومها لم أعد أرى أياً منهما».

قصة رابعة

مرّت سنوات، ولا يزال «ذلك الإحساس المرعب» يرافق دينا شرف الدين. استقلّت سيارة الأجرة من كلية الحقوق والعلوم السياسية في طرابلس باتجاه منزلها. «جلست في الخلف، إلى جانبي رجل وامرأة». كانت الامتحانات قد انتهت، ودينا تفكّر بالنتائج، وبضرورة نجاحها، وإذا بها تسمع أصواتاً غريبة إلى جانبها، حاولت ألا تنظر «كي لا أبدو وقحة»، ولكن الحشرية كانت أقوى منها، نظرت فرأت الشاب الجالس إلى جانبها فاتحاً أزرار بنطاله وعضوه بارز بشكل فاضح. صرخت مفجوعة، ففتح الشاب الباب الخلفي وقفز خارج السيارة. في البداية ظنّ السائق أن الشاب حاول التحرّش بها، وحين أخبرته بما حصل، شتم «الشباب البلا أخلاق، شباب آخر زمن»، وأوصلها إلى أمام منزلها معتذراً عن ذنب لم يقترفه. ترتسم ملامح القرف على وجه دينا، وهي تروي قصتها، وتخبر عن التدابير التي لجأت إليها لتفادي حادثة مماثلة. «أصبحت أحجز المقاعد الثلاثة الخلفية حين استقلّ السرفيس، كي لا يأتي مكبوت آخر ويجلس إلى جانبي».
لكن الحظّ السيّئ استمرّ بملاحقة دينا. فبعد سنوات على هذه الحادثة، كانت خارجة مع شقيقتها من «سوبرماركت» في طرابلس، وعندما توقّفت لتأمين سيرها، رأت شاباً خارجاً من سيارته، عارياً تماماً، يلوّح لها ولشقيقتها. انطلقت بالسيارة مسرعة، لحق بهما الشاب، فسلكت طريقاً مزدحماً بالسيارات ما دفعه إلى تغيير طريقه.
أربع قصص تختلف في المكان والزمان، ولكنها تتشابه بالنتيجة، فتبدأ كما تنتهي: لا اعتداء جنسياً مباشراً، بل اعتداء بالكلام المبتذل والجنسي. هكذا تخبر فتيات الجامعات عما يواجهنه يومياً، في ظل غياب رجال الأمن الفعليين، والمفترض أن يوفّروا الحماية للمواطنين وللطلاب خصوصاً. أما أمن الجامعات، فغالباً ما يقتصر على ما يحصل داخل حرم الجامعة أو الكلية.
«جامعات لبنان بأجمعها معرّضة لهذا النوع من الحوادث». هذا ما تجمع عليه الفتيات. يتحدّثن عن سوداني أصبح مشهوراً في جامعة بيروت العربية، حيث يقف بعيداً عن مدخل الجامعة، ويمارس عادته من دون أن يتحدّث إلى أحد، مكتفياً بمراقبة الداخلات والخارجات من الجامعة. وعن لبناني يقف أمام الـ filiere باحثاً عن ضحية يسمعها كلاماً من المفترض أن يشعره بلذة جنسية معيّنة.

عقاب المتحرّش

ولكن ماذا يقول القانون عن هذه الاعتداءات؟ القانون واضح في هذا المجال، فممارسة العادة السرية عمل مخلّ بالآداب العامة، وبالتالي يحاكم صاحبه وفق قانون العقوبات الذي ينصّ في المادة531 على أنّه «يعاقب على التعرّض للآداب العامة، بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة 209، بالحبس من شهر إلى سنة». أما الفقرة الأولى من المادة 209، فتنصّ على أنه «تعدّ وسائل نشر الأعمال والحركات إذا حصلت في محلّ عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار أو شاهدها بسبب خطأ الفاعل، من لا دخل له بالفعل».
إلا أن العقوبة لا تقتصر على ما ينصّ عليه القانون إذا طبّق، فيتحدّث أحد الخبراء القانونيين عن طريقة تعامل رجال الأمن مع الجرائم المتعلّقة بالجنس «بما أن هذا الموضوع تابو في لبنان، فإنّ التعامل مع المتّهم يكون بتصرّفات نابعة من التزام معايير أخلاقية وهمية». كما يتحدّث عدد من الشهود عند عمليات اعتداء وضرب يتعرّض لها المتّهم من جانب رجال الأمن أو الذين يحقّقون معه.
hr noshade>

كيف نتخطى الصدمة؟

ما يعانيه الشخص الذي يمارس عادته السرية في أماكن عامّة هو مرض نفسي أو حالة مرضية متقدّمة، ولكن تختلف الأسباب بين شخص وآخر. هذا ما توضحه الدكتورة سهى بيطار.
«المقصود من هذا العمل هو إيصال رسالة ما إلى المجتمع، رسالة شاذّة بطبيعة الحال. فهذا الشخص يريد إحداث صدمة، يعبّر عنها بهذا التحدّي الشائن». وتشرح بيطار مثلاً عن الطفل الذي يمارس عادته السرّية في المدرسة، «هو بطبيعة الحال يريد إيصال رسالة إلى أهله. فالشذوذ صورة عن صعوبة معيّنة في البيت، وليست بالضرورة صعوبة جنسية».ترفض بيطار التعميم في هذه الحوادث، فلا سبب واحداً يؤدّي إلى هذا الانحراف الجنسي الذي، بحسب بيطار، يشبه بقية أنواع الانحراف كالسرقة، والقتل، والعنف. «الكبت الجنسي هو أحد الأسباب، دون شكّ، ولكنه ليس الوحيد، تماماً كما يفعل أصحاب بعض الدكاكين حين يتحرّشون بالأطفال». ولكن لماذا يقتصر التحرّش على الكلام دون الاعتداء الجنسي المباشر؟ تؤكّد بيطار أنه لو كان بمقدور الشخص أن يغتصب الفتيات لفعل، ولكنّ لجوءه إلى الاستمناء في وضح النهار، وفي أماكن عامّة، يصعّب عليه الاختلاء بالفتيات.
من جهة ثانية، تتطرّق بيطار إلى الأثر النفسي على ضحايا هذه الاعتداءات. فالفتاة «ستصاب بطبيعة الحال بصدمة قوية، لأنّ الإطار الذي رأت فيه هذا الفعل الشاذ غير طبيعي»، مؤكدة أن الصدمة تكون عند الفتيات، كذلك عند الشباب الذي يصادفون هذا النوع من الحوادث «ولكن بشكل أخف».
أما الطريقة الأنسب لتخطّي هذه الصدمة فتكون بالتعبير عنها بالطريقة التي تراها الضحية مناسبة، «بالرسم، الغناء، أو الكتابة، المهمّ ألا تبقى في داخل الشخص». أما الحلّ الآخر والأفضل، بحسب بيطار، فهو أن تكتب الفتاة رسالة أو تصنع شيئاً معيّناً وتضعه في المكان الذي تعرّضت فيه للتحرّش، «بهذه الطريقة يخرج العنف ويحطّ في مكان آخر. قد تبدو الخطوة غريبة ولكنها مفيدة جداً».