ليال حداد«أنا محمود حليمة من بلد الشيخ في حيفا، وأسكن حالياً في مخيّم شاتيلا في بيروت»، هكذا يعرّف حليمة نفسه، فلسطين أوّلاً ثمّ شاتيلا. فالسكن الحالي مؤقّت «قد يبدو الرقم ستّون كبيراً، ولكن ستين عاماً في التاريخ لا تحسب». يقاطع محمود الحاج صديقه ليؤكّد أن الإسرائيليين خططوا مئتي عام قبل تأسيس «ما يعرف بدولتهم، وبالتالي فإن ستين عاماً رقم صغير». الحاج أيضاً من حيفا، من حيفا المدينة، وواثق من عودته القريبة إلى بحر حيفا. «أوّل ما تتحرّر فلسطين رح أروح على البحر، وبدي أشوف بيت جدّي».
تنظر نور ورداني وإيمان بشير بقليل من الحسد إلى رفيقيهما في النادي الثقافي الفلسطيني في شاتيلا. فالفتاتان لبنانيتان، ولا منازل وأراضي لهما في حيفا أو أي بقعة من بقاع فلسطين. «الهوية الفلسطينية نعمة لا مشكلة، فلا أجمل من أن يكون الشخص فلسطينياً»، تبتسم ورداني قبل أن تكمل عبارتها «أنا من برعشيت في الجنوب. بلدتي لا تختلف كثيراً عن فلسطين، الأرض نفسها وكذلك طبيعة الناس والتاريخ والعداء لإسرائيل». وتستعيد نور تاريخ المجازر الإسرائيلية بحق العرب لتؤكد فكرتها، «أول مجزرة في الجنوب كانت في حولا عام 1948، وكذلك النكبة، هذا كاف لتثبيت وحدة التاريخ». أما بشير فتفاخر بأن أمها فلسطينية، وأن جدتها المقيمة في مخيّم القاسمية في صور لا تزال تحتفظ بمفتاح دارها في صفد. «يوم العودة، سنحمل المفتاح، فالدار لا زالت موجودة، كما يؤكد لنا أقاربنا هناك، ولم تهدم».
وفي الذكرى الستين للنكبة أيضاً، تحدّث هؤلاء عن رؤيتهم لأراضيهم محتلّة، وعن مشاهدة إسرائيليين يمشون في قراهم، ويسبحون في بحرهم. «بدّك أقلك إشي، الإعلام هو اللي عوّدنا على هالمناظر، وهذا أمر يضايقنا بالتأكيد»، يقول حليمة.
ولكن على الرغم من أن الحديث تمَحور بأغلبه حول فلسطين، يبقى لمخيّم شاتيلا دور مهمّ في حياة هؤلاء. الشابان يعشقان المخيّم، أما الفتاتان فتقولان ببساطة: «بس نفوت على المخيّم منرتاح، كأنو وصلنا على البيت». يحاول هؤلاء من خلال النادي الثقافي، الذي هو نادٍ مستقلّ، تجميل المخيّم ليتحوّل إلى مكان يحلو العيش فيه قدر الإمكان بانتظار العودة. يجمّلون الجدران، ينظّفون الشوارع، وينظّمون نشاطات للأطفال. «أردنا مدّ لمبات في الشوارع، ولكن تذكّرنا أن الكهرباء أساساً شبه مقطوعة عن المخيّم، وبالتالي لا حاجة لهذا العمل». إلا أن الأهمّ هو نشرة دورية، «وهي دورية لأنها تصدر حسب توافر المال»، يوضح الحاج، تصدر بعنوان «عشان البلاد ــــ كامل التراب الوطني الفلسطيني».
إنها الذكرى الستون. قد يتحوّل الرقم إلى مئة وقد لا يبلغ الواحد والستين. «ألم تسمعوا السيد حسن نصر الله يبشّر ببداية زوال إسرائيل»، يقول هؤلاء الشباب بثقة.