إبراهيم الأمينعلى هامش الجمود السياسي الذي رافق فشل الجولة الأخيرة للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وانتظار الجميع مضاعفات القمة العربية التي انعقدت في دمشق، شُغلَت أوساط نافذة في فريق المعارضة بالنقاش في الوضع التنظيمي لهذا الفريق. وبدا أن من يثير الأمر ويضغط لجعله أولوية هو الفريق الذي يعتقد أن هناك مشكلة في التنسيق المطلوب على مستوى أقطاب المعارضة من جهة، وعلى مستوى تفعيل النشاط السياسي للقوى العاملة في إطار المعارضة. وقد حصلت مشاورات عدة قبل أن يخرج إلى العلن اعتراض التيار الوطني الحر على تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي في إطار مركزي للمعارضة لأسباب تخص التيار في محيطه الشعبي.
وحتى اللحظة لم يتوصل المعنيون إلى صيغة تعالج هذا المأزق. القوميون في حيرة من أمرهم إزاء موقف التيار ورئيسه العماد ميشال عون، ويعتقدون أن هناك مبالغة في الأسباب المقدمة، وأن القواسم المشتركة بين أهداف الحزب على مستوى الإصلاح السياسي والتيار أكبر بكثير من القواسم التي تدفع قيادة التيار الوطني إلى محاورة قوى مسيحية أو إسلامية موجودة في السلطة. فيما يقول العماد عون صراحة إن المطلوب هو التناغم بين القوى المكوِّنة للمعارضة الآن، لا التطابق، وإن هناك عدة لغات يمكن أن يعبّر بواسطتها عن موقف واحد، ما يمنع الخلاف ويحفظ في الوقت نفسه التمايزات التي تحتاج إليها كل القوى في إطار عملها السياسي العام.
بدايةً، لم تكن الفكرة تتجاوز توسيع آلية التشاور، ويقر قياديون في المعارضة بأن مشكلة التمثيل السني حاضرة. لا يعني ذلك برأي هؤلاء أن سنة المعارضة معدومو التمثيل الشعبي والسياسي، لكن الأمر يتعلق بالحضور الاستثنائي الذي يفرض حضور هؤلاء في قلب المعادلة. ويقول أحد القياديين البارزين: إن التمثيل الشيعي والمسيحي والدرزي واضح وقوي، بينما هناك مشكلة في حسم من يمثل الكتل السنية الموجودة، وخصوصاً أن تمثيلها متنوّع من أحزاب ناصرية تواجه ضائقة شعبية، إلى شخصيات لها وضعيتها التاريخية، لكنها قد تفتقر الآن إلى الحيوية الموجودة لدى آخرين، إلى الشخصيات التي انتقلت إلى موقع المعارضة بفعل خصومة مع فريق الحريري قامت على أساس موقف الحريري الذي يرى أن هذه الشخصيات من مخلفات الوجود السوري.
ويلفت صاحب هذا الرأي إلى أن العمل الذي بذل على مدار عام وأكثر في الأوساط الإسلامية السنية أثمر انتعاشاً لقوى كانت قد تراجعت بفعل الموجة العاطفية التي اجتاحت السنة إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي أنتجت انتخابات نيابية ليست في مصلحة قوى المعارضة من السنة. وإن نتائج الجهد ظهرت في تثبيت النائب أسامة سعد لموقعه وحضوره وتأثيره في صيدا والجنوب، كما أعادت الاعتبار إلى مواقع رآها فريق الحريري في عداد الأموات في إقليم الخروب والبقاع وبيروت. كما سمح بإنتاج جبهة معارضة في الشمال مزعجة لتيار «المستقبل»، وخصوصاً تلك التي يقودها الرئيس عمر كرامي من جهة، والداعية فتحي يكن من جهة ثانية، إلى جانب استعادة شخصيات معارضة في عكار والضنية والمنية المبادرة، وإطلاق مواقف وتحركات بدت مزعجة لفريق السلطة. حتى إن شخصيات تعرضت لحملات قاسية في مناطقها الشعبية، مثل عبد الرحيم مراد، عادت وأنتجت آلية تواصل مع الجمهور وفعاليات، وإن كانت الآلية معقدة ومحدودة الفاعلية مقارنة مع «الهياج» الذي تتسم به حركة الآخرين. أما في بيروت، فإن الحضور ظل محصوراً بشخصيات سبق لها أن أدت دوراً شعبياً بموازاة حركة الحريري الأب، أو بآخرين اتخذوا جانب معارضة الحريري مبكراً مثل كمال شاتيلا وفؤاد مخزومي. وأظهرت استطلاعات للرأي أن هؤلاء يملكون رصيداً يظهر في الإحصاءات التي تغفل عادة من هم في موقع غير المحتسب. حتى إن حملة الحريري على هذه الشخصيات عكست قلقاً ولو غير كبير من حركة هؤلاء في العاصمة والتجمعات العائلية النافذة انتخابياً.
ولذلك فإن النقاش لدى القوى البارزة في المعارضة كان قد تجاوز التمثيل الطائفي، بمعنى أن حزب الله وأمل يعكسان الموقف الإجمالي للشيعة، وأن التيار الوطني الحر وشخصيات مسيحية معارضة، من بينها الأحزاب الأرمنية، تعكس التمثيل المسيحي، وأن لا مشكلة في تولي طلال أرسلان التمثيل الدرزي، من دون أي اعتراض من وئام وهاب ولا من فيصل الداوود. لكن النقاش عملياً كان يدور حول اختيار شخصية سنية أخرى تضاف إلى الموقع الذي يمثله الرئيس عمر كرامي، بين قائل بأن الداعية يكن يمثّل رأس حربة في الأوساط الإسلامية، وقائل بأن أسامة سعد هو صاحب القوة التمثيلية المتماسكة بوجه الحريري في صيدا والجنوب. لكن النقاش لم يبتّ، وبدا أن ما يمنع التوصل إلى توافق، هو أنه لا بد من تمثيل الأحزاب الناشطة في تيار المعارضة ضمن هذا الإطار القيادي.
وإذ شدّد القوميون على أحقية إيلاء الأمر إليهم، باعتبارهم أكثر القوى الحزبية نشاطاً وفاعلية وحضوراً بين الأحزاب المنضوية في جبهة المعارضة، فإن بقية الأحزاب لم تعارض، لكن جاء التحفظ من جانب التيار الوطني والعماد عون، وهو تحفظ جرى إبلاغه إلى من يعنيه الأمر مع شروح. وعندما جرى البحث في إقامة إطار من سبع قيادات تمثل المعارضة، كان الاقتراح المنسوب إلى التيار الوطني الحر يقول بـ«تمثيل ثنائي لكل من الشيعة والمسيحيين والسنة وواحد للدروز»، ولم يأت هذا الاقتراح على ذكر القوى والأحزاب، الأمر الذي لا يقبل به الآخرون الذين يقولون بأنهم يريدون أن يحضروا في قلب القرار، لا في موقع التنفيذ فقط، وهو الأمر الذي أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، لأن أي توسيع باتجاه ضم ممثل للأحزاب سوف يفرض حضور ممثل عن الحزب السوري القومي الاجتماعي، الأمر الذي يرفضه العماد عون وفريقه صراحة. لكن التنسيق المطلوب بين قوى المعارضة لا يقتصر فقط على الجانب التنظيمي، إذ يبدو أن هناك مشكلة حتى في آلية البحث واقتراح الأفكار، وخصوصاً أنه تبيّن أن مبادرة الوزير السابق سليمان فرنجية وطرح الرئيس نبيه بري موضع إعلان النيات كان خارج اطار التنسيق مع الآخرين.