أنطوان سعديغادر البطريرك الماروني نصر الله صفير لبنان في الرابع من أيار المقبل في جولة تستمر نحو شهر يستهلها بقطر، وتقوده إلى أفريقيا الجنوبية، فالولايات المتحدة، وينهيها في إسبانيا. وقبل أيام من بدء الجولة، لا تزال محطة الولايات المتحدة موضع بحث، لأن سيد بكركي كان يريد أن تبقى الزيارة في إطارها الرعوي، ولا سيما في ظل قلق بعض السياسيين اللبنانيين المخضرمين من المواقف المتوقع أن تصدر عن الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارته المرتقبة لإسرائيل في منتصف أيار المقبل، التي يمكن أن تكون لها تداعيات على الواقع اللبناني الداخلي.
لقد تميز نهج البطريركية المارونية منذ أن أصبحت الولايات المتحدة قوة عظمى، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، بمحاولة الحفاظ على علاقات جيدة معها، ولكن دائماً مع أخذ جانب الحذر، لأن ثوابت سياسات واشنطن تضع مصالح لبنان في درجة متدنية قياساً مع التزاماتها في منطقتي الشرقين الأوسط والأدنى. وقد تمسك البطريرك الماروني الحالي بهذا النهج طوال حبريته بعدما زادته تجربته الخاصة في التعاطي مع الأميركيين اقتناعاً بذلك، ولا سيما خلال الفترة التي تلت تطبيق اتفاق الطائف.
لم تكن زيارة البطريرك صفير للولايات المتحدة تلحظ في الأساس مروراً بواشنطن، لكن الدبلوماسية الأميركية على ما يبدو، وخصوصاً بعد التصاريح المتكررة لمساعد وزيرة الخارجية دايفيد ويلش حول دعم الدور المسيحي في لبنان، تريد أن يلتقي سيد بكركي برسميين أميركيين تأكيداً على ثبات السياسة الأميركية المتبعة منذ وقوع أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، ولكن مع إعادة الاعتبار إلى الدور المسيحي في المعادلة اللبنانية.
إذ بعد انسحاب الجيش السوري قبل ثلاثة أعوام لم يتغير الشيء الكثير في هذا الدور، رغم مواقف البطريرك صفير والقوى المسيحية من قانون الانتخاب وتأليف الحكومة والتعيينات الإدارية، إلى ما سوى ذلك من مسائل مؤثرة في عملية إعادة الاعتبار للمسيحيين بعد سنوات الهيمنة السورية. وكان رد السفراء، وفي مقدمهم السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان، أنه مع مرور الوقت والانتهاء من النفوذ السوري في لبنان سوف تعود الأمور إلى نصابها، لكن ما جرى هو أن الرئاسة الأولى التي يشغلها ماروني شغرت، ومواقع أخرى منها قيادة الجيش هي على طريق الشغور.
وترجّح الأوساط المطلعة على تفاصيل الزيارة أن يستقبل الرئيس جورج بوش البطريرك الماروني في البيت الأبيض بين الحادي والعشرين والثاني والعشرين من أيار، بعد أن يكون قد وصل إلى نيويورك في الخامس عشر منه، وهو ذكرى ميلاده الثامن والثمانين، حيث من المقرر أن يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. يلي ذلك تكريم للبطريرك صفير من جانب الآباء اليسوعيين، ومن ثم ينتقل إلى فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا حيث تكرمه أيضاً جامعة فيلانوفا التي يديرها الآباء الأغوسطينيون، ويقيم رئيس الأساقفة الكاردينال ريغالي مأدبة عشاء على شرفه.
ويزور سيد بكركي بعدها في التاسع عشر من أيار هيوستن لافتتاح كنيسة جديدة تديرها جمعية المرسلين اللبنانيين، ومنها ينتقل إلى واشنطن.
أما أهمية الجولة البطريركية فليست في محطتها الأميركية فقط، بل في كل مراحلها، إذ يستقبل أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني سيد بكركي، ويقيم غداءً على شرفه، ومن ثم يلتقي البطريرك كبار المسؤولين القطريين، وفي مقدمهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني، ويزور المجمع الكاثوليكي الجديد.
وفي أفريقيا الجنوبية يدشن كنيسة مارونية جديدة ويلتقي الرئيس السابق نيلسون مانديلا وكبار المسؤولين في ذلك البلد البعيد الذي يضم جالية لبنانية كبيرة. أما في إسبانيا التي سوف يزورها بطريرك الموارنة بين الثالث والعشرين والسابع والعشرين من أيار، فيستقبله الملك خوان كارلوس ويقيم مأدبة غداء على شرفه، وبعدها يجتمع برئيس الوزراء خوسيه لويس ثاباتيرو ووزير الخارجية ميغال أنخل موراتينوس.
بعد الاجتماعات الرسمية واللقاءات التي ينظمها سفير لبنان في إسبانيا شكري عبود وتجمع رجال الأعمال اللبنانيين، يقوم سيد بكركي بزيارة حج إلى سيدة غوادالوبي في جنوب إسبانيا، وهي من أهم الأماكن المقدسة في أوروبا الغربية. وهي زيارة كان يريد القيام بها منذ فترة طويلة، ولكن انشغالاته العديدة حالت دونها. ويعود البطريرك نصر الله صفير إلى لبنان في نهاية أيار قبل أيام قليلة من المجمع السنوي للأساقفة الموارنة.
غير أن برنامج الجولة البطريركية قد يكون قابلاً للتعديل في حال حدوث ما هو غير مرتقب، أي انتخاب رئيس للجمهورية في الثالث عشر من أيار المقبل.