ليس بإمكان العمال المصروفين تعسّفاً اللجوء إلى محاكمهم. فبعد أكثر من أربعة أشهر من التأخير، ساد الظن بأن مرسوم تعيين أعضاء مجالس العمل التحكيمية كاف لحسن سير محاكم الطبقات العاملة. لكن الواقع أظهر أن للتقصير كلاماً آخرحسن عليق
لم تنعقد محكمة العمال في بيروت منذ خمسة أشهر. فمجالس العمل التحكيمية في كل المحافظات، المختصة بالنظر في دعاوى العمال وأرباب العمل، لا تنعقد من دون وجود ممثلين عن طرفي الإنتاج، الذين ينص قانون العمل على تعيينهم بمرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. وكان رئيس البلاد قد أصدر مرسوماً بتعيين هؤلاء يوم 6/10/2004، على أن تنتهي «عقودهم»، بحسب القانون، بعد ثلاث سنوات من تعيينهم، مع قابلية التجديد لهم لثلاث سنوات أخرى. وكان من المفترض أن يصدر مرسوم التعيين أو التجديد يوم 6/10/2007، إلا أنه لم يبصر النور حتى 7/2/2008، عندما وافق مجلس الوزراء على اقتراح وزير العمل بالوكالة حسن عكيف السبع تجديد تعيين أعضاء مجالس العمل التحكيمي، ليصدر المرسوم حاملاً الرقم 867 في عدد الجريدة الرسمية يوم 14/2/2008. ورغم ذلك، لم تبدأ جميع المجالس عملها لتسيير شؤون العمال.
ولا بد من الإشارة إلى أن مجالس العمل التحكيمي مختصة بحسب القانون في نزاعات العمل الفردية الناشئة عن عقود إجارة العمل أو الخدمة (المادة 624 من قانون الموجبات والعقود)، إضافة إلى الخلافات والمنازعات الناشئة عن تطبيق قانون الضمان الاجتماعي، سواء أكانت ناشئة بين المضمونين وأرباب العمل، أم بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وأرباب العمل أو المضمونين.
40 قضية يومياً في بيروت
مجالس العمل التحكيمية الخمسة في بيروت، تَعقد في العادة خمس جلسات أسبوعياً، يُنظَر خلال كل واحدة منها في 40 قضية على الأقل، يتعلّق معظمها بدعاوى أقامها عمال مصروفون من العمل بشكل تعسفي. وبعملية حسابية بسيطة، يكون أكثر من 3500 ملف متعلّق بمعيشة العمال، في بيروت وحدها، قد توقّف النظر فيها أمام محكمتهم الوحيدة، وهو ما يُضاف إلى تأخير بت الدعاوى، الذي يصل في بعض الملفات إلى أكثر من عام، بحسب عضو المجلس في بيروت فؤاد قازان، مع العلم بأن قانون العمل الصادر يوم 23/9/1946، ينص في المادة 50 منه على بتّ قضايا فسخ عقود العمل «بمهلة لا تتجاوز ثلاثة أشهر».
وحتى أمس، لم تكن غرف بيروت الخمس قد بدأت عملها بعد، رغم انعقاد جلسة في إحدى غُرَف بعبدا الثلاث. أما أسباب عدم انعقادها في بيروت، فأعادها قازان إلى عدم إبلاغ وزارة العدل للقضاة رؤساء المجالس من جهة، وإلى ورود اسم أحد أعضاء المجلس في جبل لبنان بصورة خاطئة من جهة أخرى، حيث كُتِب في المرسوم اسم ممثل أرباب العمل فؤاد بلبل بدلاً من فؤاد بلبول. وقد أكّد أحد رؤساء الغرف في بيروت على السببين المذكورين.
أما ممثل العمال في جبل لبنان إميل جحا فذكر لـ«الأخبار» أن المجالس في جبل لبنان لم تنتظر إبلاغاً من وزارة العدل، كما أنها لم تنتظر تصحيح اسم أحد أعضائها لتبدأ عملها كالمعتاد خلال الأسبوع الفائت، من دون أي اعتراض، بعدما نُشِر المرسوم في الجريدة الرسمية.
بدوره، المدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور أكّد لـ«الأخبار» أن وزارة العدل تبلغ عادة القضاة رؤساء مجالس العمل التحكيمية بتعيين ممثلي العمال وأرباب العمل فيها، بعد صدور المرسوم. لكن ـــــ أضاف الناطور ـــــ بما أن المرسوم الصادر أخيراً ينص على تجديد تعيين الأعضاء السابقين، لا تعيين أعضاء جدد، لم تجد وزارة العدل إبلاغ رؤساء المجالس ضرورياً، وخاصة أن الوزارة أبلغت الرؤساء الأول الاستئنافيين في المحافظات. وأكّد القاضي الناطور أن نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، وقاعدة استمرارية المرفق العام كافيان لتبدأ مجالس العمل عملها المعتاد، وخاصة مع ضرورة عدم التأخير في بت قضايا العمال. ورأى المدير العام لوزارة العدل أن بدء العمل بات اليوم على عاتق المتداعين الذين من المفترض أن يطلبوا تحديد مواعيد للنظر في قضاياهم، مؤكداً ضرورة انعقاد الجلسات بشكل فوري، واعداً بأن تحث الوزارة اليوم الرؤساء الأوَل على إبلاغ رؤساء المجالس بذلك.
ومع غياب الإجماع على أسباب عدم انعقاد جلسات محاكم العمل في جميع المحافظات، يبقى الثابت أن المتقاضين، وأكثرهم من العمال الشاكين ظلماً لحق بهم عبر إبعادهم عن مصدر رزقهم، غير قادرين، أقله في بيروت، على اللجوء إلى القضاء لمحاولة تحصيل حقوقهم.