ثائر غندور
«نحن مطمئنّون» يقولها بهدوء نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم. لا يريد أن يسترسل في الشرح الديني لأسباب الاطمئنان، ويركّز على أمر آخر: عندما تكون هناك حرب، يخسر المعتدي 70% من قوته، وتزيد قوّة المعتدى عليه بسبب عامل الأرض والشعب. ولكن هل هناك حرب؟ لا يجزم الشيخ. هناك مؤشّرات، لكن حزب الله لا يستطيع أن يجزم كونه لا يريد أن يُبادر إليها، «والإسرائيلي يعرف أن عليه أن يدفع ثمناً غالياً في أي حرب».
ويؤكّد قاسم أن حزب الله أعدّ ما يستطيع لمواجهة حرب «إسرائيليّة، أميركيّة وأمميّة» عليه، وهو يعرف أن هذا النوع من الحروب لا تسويات فيه، بل هناك خاسر ورابح. ويُعيد رسم صورة العدوّ: ليس الرئيس فؤاد السنيورة، ولا أي فريق داخلي، إنه الإسرائيلي والأميركي. «ولو أن فريق السلطة يُبلّغ الأميركيين أنه لا يستطيع تطبيق ما يُطلب منه لكان رحمه هؤلاء». ويعود إلى حرب تمّوز وما جرى في تلك الفترة للدلالة على تبعيّة السلطة. ويشير إلى حادثة حصلت في الغداء الذي جمعت فيه وزيرة الخارجيّة الأميركيّة رايس حولها سياسيي 14 آذار، وطلبت منهم التحرك في وجه حزب الله ولو على شكل تظاهرة، فأجابها أحد النواب حينها: «هؤلاء لديهم شخص اسمه الحسين، قُتل قبل 1400 عام وما زالوا يبكونه».
ويلفت أيضاً إلى الاجتماع الوزاري الذي عُقد قبل الخميس 10 آب 2006، يومها سأل السنيورة عن مصير السلاح في شمالي الليطاني وجنوبيه، فأجابه الوزير (المستقيل) محمّد فنيش «وما علاقتك بالموضوع؟»، فردّ السنيورة بأن هذا هو شرط الدول الأوروبيّة لإرسال جنودها ضمن قوات اليونيفيل، وإذا لم يأتوا فلن تتوقف الحرب. فطلب فنيش تأجيل النقاش، وحدّد السنيورة السبت 12 آب موعداً أخيراً لبت الموضوع، وصادف موعده قبل جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي. فعقدت قيادة حزب الله اجتماعاً طارئاً واتفق مع الوزيرين فنيش وطراد حمادة على الآتي: «الذهاب إلى مجلس الوزراء وعدم الجلوس حتى لو كان الجميع جالسين، وإبلاغ السنيورة وقوفاً بأن سلاح المقاومة سيبقى كما هو، وستُكسر اليد التي تمتدّ له ويغادران فوراً». وتمّ إبلاغ الرئيس نبيه برّي بالأمر حتى لا يُتّهم الحزب بالتفرد بالقرار، وأبلغ بري السنيورة جدية موقف حزب الله، فأجّل الجلسة إلى الثلاثاء 15 آب. وقبل هذه الجلسة بساعة سُلّم الحزب «قُصاصة ورق» من أربعة أسطر للموافقة عليها، فرفض «لأننا لا نوضع تحت الضغط» وطلب 24 ساعة لاتخاذ القرار فتأجلت الجلسة إلى الخميس. وبالتالي توقّفت الحرب قبل النقاش في هذا الموضوع. ويستدلّ قاسم من هذه الحادثة على التنسيق بين السنيورة وفريقه وبين الأميركيين والتكامل في التعامل مع الحرب.
يسرد قاسم هذه الأمور، رداً على مقولة أن المقاومة ربحت عسكرياً وهُزمت سياسياً من خلال القرار 1701، ووجود أكثر من 12 ألف جندي أممي وما يُقاربهم من الجنود اللبنانيين في الجنوب، مما قد يُهدّد عمل المقاومة. يبتسم، ويقول إن المقاومة «استطاعت التكيّف مع هذا الواقع، ورمّمت قوّتها بالكامل، وهي جاهزة تماماً، ودفعها الواقع الجديد إلى ابتكار أساليب جديدة».
وينفي أن يكون كلام السيّد حسن نصر الله عن زوال إسرائيل شبيهاً بكلام الإذاعي المصري أحمد سعيد أيّام عبد الناصر، لأن لهذه المقاومة تجارب عديدة، وقد انتصرت في حرب 1993، وحرب 1996، ودحرت العدو في عام 2000 ومن ثمّ في حرب تمّوز 2006. وتمتاز «بنفس طويل وإيمان راسخ عند شبابها». كما أن إسرائيل تعاني اليوم ما ظنّت أنّها تجاوزته منذ 1948، وهو الاعتراف بوجودها، فعاد الحديث عن إزالتها من الوجود. وتعاني أيضاً مشكلة هجرة معاكسة في الأعوام الثلاثة الأخيرة وانخفاض في نسبة الولادات، «كما ظنّت أنها استطاعت تطويع الفلسطينيين وإرهابهم، وإذا هم ينتفضون ويشكّلون تنظيمات مقاومة مسلّحة من الداخل الفلسطيني وليس عبر الأردن أو لبنان».
ولا يرى أن انعدام التوافق حول المقاومة داخلياً يؤذيها كثيراً، وإن كان وجود مثل هذا ضماناً، ويشبّه الأمر بالطفل الحديث الولادة، الذي يعرضه أي خدش للخطر، «وعندما يشتد عوده لن يكلفه الخدش أكثر من انزعاج بسيط. المقاومة أصبحت شاباً قوياً»، مضيفاً أن التهويل بالجبهة الداخلية شبيه بالأمر نفسه أيضاً.
ويقول إن المقاومة استطاعت، بعد الخروج السوري، أن تبني شبكة علاقات من أهمها التحالف مع التيّار الوطني الحرّ الذي هو «تحالف بين القواعد وليس بين القادة وحدهم». إضافة إلى العلاقة الممتازة مع بعض الأطراف السنّة، وهو يؤكّد في هذا الإطار الفرق بين حزب الله وسياسة ياسر عرفات، فيروي عنه هذه الحادثة: «أتى بعض الناصريين طالبين دعم عرفات لتأليف حزب ناصري، فدعمهم، ففوجئ أحد الحاضرين وقال له: صار هناك 20 فصيلاً ناصرياً، فردّ عرفات: كل ما كتروا بخفّ وجع الرأس». يذكر هذا الأمر ليؤكّد أن الحزب ليس في وارد خلق مجموعات أو أحزاب سنيّة بالشكل دون أن يكون لها مضمون. ويقول إن بعض الشخصيات السنيّة طلب من الحزب مساعدته للبروز إعلامياً، لكنّه رفض لأن هذا ليس أسلوبه.
الشيخ نعيم قاسم صريح جداً. وفي الجلسة الهادئة هو رجل آخر غير ذاك الذي يقف على المنبر.